▪︎ مجلس نيوز
في الماضي كان محافظو البنوك المركزية يعرفون ما يتعين عليهم فعله للتعامل مع التضخم. في الوقت الذي يعتركون فيه مع العواقب الاقتصادية لوباء فيروس كورونا، انهار الإجماع حول أفضل السبل لتعزيز نمو الأسعار المنخفض والمستقر.
بعد أعوام من تحديد أسعار الفائدة على أساس توقعات التضخم والسعي لتحقيق هدف يبلغ نحو 2 في المائة، تتبع السلطات النقدية الرائدة في جميع أنحاء العالم استراتيجيات مختلفة.
حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية هذا الأسبوع من أن اليقظة مطلوبة، لكن أي محاولة لرفع أسعار الفائدة ينبغي أن تكون معتمدة على الدولة وموجهة بالتحسينات المستمرة في أسواق العمل، وعلامات ضغوط التضخم الدائمة والتغيرات في وضع السياسة المالية، غامضة لدرجة أن كل بنك مركزي رئيس يمكنه القول إن سياسته تلبي المعايير.
غير الاحتياطي الفيدرالي موقفه لإعطاء مزيد من المساحة للتضخم وأولوية أكبر للتوظيف، والبنك المركزي الأوروبي متورط في خلاف حول ما إذا كان سيكون أكثر تسامحا مع أي تجاوز للتضخم، وبنك اليابان عبثا يكافح من أجل إحياء توقعات نمو أسعار المواد الاستهلاكية.
كان التحول في الاستراتيجية الأمريكية الأكثر جذرية. العام الماضي أعلن جاي باول رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي إطار عمل نقدي جديد.
تسعى عقيدة الاحتياطي الفيدرالي إلى الابتعاد عن عقود من الزيادات الاستباقية لأسعار الفائدة لدرء الضغوط التضخمية المحتملة مع السعي بإصرار إلى التوظيف الكامل، استراتيجية تقول إنها ستفيد مزيدا من الأمريكيين، بما في ذلك العمال ذوي الأجور المنخفضة ومجموعات الأقليات.
وسيسمح البنك للتضخم بأن يتجاوز هدفه البالغ 2 في المائة لبعض الوقت بعد تقصير طويل الأمد، في محاولة لضمان أن الشركات والأعمال تتوقع أن تظل أسعار الفائدة منخفضة لفترة طويلة، وبالتالي ستقوم بالإنفاق بدلا من الادخار. أحد دوافع الاحتياطي الفيدرالي تجنب تكرار موقفه بعد الأزمة المالية، عندما أدى تشديد السياسة إلى إبطاء التعافي.
قالت لايل برينارد، محافظة في الاحتياطي الفيدرالي، يوم الثلاثاء: “أنا مدركة للمخاطر على جانبي هذا المسار المتوقع”. وأكدت أنها ستراقب بعناية بيانات التضخم للتأكد من أنها لا تتطور بطرق غير مرحب بها لكنها ستكون متنبهة لمخاطر التراجع في وقت أقرب من اللازم، محذرة من أن الاتجاهات السابقة للوباء التي كانت تتسم بأسعار فائدة ذات توازن منخفض واتجاه منخفض في التضخم الأساسي من المرجح أن تعيد تأكيد نفسها.
لكن المنتقدون قلقون من أن استراتيجية الاحتياطي الفيدرالي كانت مصممة لعالم من السياسة المالية الحذرة، وليس لعصر الوباء الذي يحتاج إلى الاقتراض والإنفاق بكميات ضخمة، وأن هذا قد يتركه وراء المنحنى إذا زادت ضغوط الأسعار. الزيادة السنوية البالغة 3.1 في المائة يوم الجمعة في مؤشر الإنفاق الاستهلاكي الشخصي الأساسي عززت بعض تلك المخاوف.
كان بنك اليابان يسعى منذ فترة إلى الالتزام بتجاوز التضخم على مدى الخمسة أعوام الماضية، لكنه حتى لم يصل إلى مسافة قريبة من هدفه البالغ 2 في المائة. من اللافت للنظر أنه لم تتغير أمور تذكر بعد الوباء: التضخم لا يلوح في الأفق ولو من بعيد، ونمو الإنفاق بطيء.
الأسر والشركات اليابانية مقتنعة بأن التضخم سيظل قريبا من الصفر، ما يجعل من المستحيل على بنك اليابان تحقيق هدفه.
قال هاروهيكو كورودا محافظ بنك اليابان في خطاب ألقاه أخيرا: “تشكيل توقعات التضخم في اليابان يتأثر بشدة ليس فقط بمعدل التضخم الملحوظ في ذلك الوقت لكن بالتجارب السابقة والمعايير التي تم تطويرها في غضون ذلك”.
في غضون ذلك، صانعو السياسة في منطقة اليورو عالقون في جدال حاد في الوقت الذي يجري فيه البنك المركزي الأوروبي مراجعة لسياسته الخاصة سيتم الإعلان عن النتائج في سبتمبر.
قال أولي رين، العضو في المجلس بصفته محافظ البنك المركزي الفنلندي: “من وجهة نظر الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية، من المنطقي قبول فترة معينة من تجاوز التضخم، مع الأخذ في الاعتبار تاريخ التقصير في بلوغ الهدف”.
لكن إيزابيل شنابل، مديرة تنفيذية في لبنك المركزي الأوروبي حذرت من أن ذلك سيكون محفوفا بالمخاطر. قالت شنابل الشهر الماضي إنه رغم أن البنك المركزي لا ينبغي أن يبالغ في رد فعله إذا تجاوز التضخم هدفه بعد الركود، إلا أنها متشككة في استهداف متوسط التضخم بشكل رسمي خلال فترة محددة.
وتساءلت: “كم من الوقت ينبغي أن تكون الفترة التي يتم فيها حساب المتوسط؟ ما هو المقدار الذي ينبغي توصيله من ذلك؟ أنا شخصيا لا أعتقد أننا ينبغي أن نتبع مثل هذه الاستراتيجية”.
بالنسبة لبعض الاقتصاديين، فإن هذه الخلافات خارج الموضوع: السياسة النقدية أصبحت ممتدة لدرجة أن محافظي البنوك المركزية يفتقرون إلى الأدوات الفعالة للقيام بمزيد. قال ريتشارد بارويل، رئيس قسم أبحاث الاقتصاد الكلي في بي إن بي باريبا لإدارة الأصول، إن البنك المركزي الأوروبي نفدت ذخيرته تقريبا، وبينما ارتفع التضخم في منطقة اليورو في مايو أعلى بقليل من هدفه الذي يقترب، لكن أقل من 2 في المائة، فإن الأمر سيحتاج إلى سياسة طموحة أو ببساطة الحظ للقيام بذلك لفترة مستدامة. ويضيف: “ما لم تكن هناك بعض الحوافز الضخمة من المالية العامة على غرار بايدن على الطريق في أوروبا أو تتبدد الرياح المعاكسة للتضخم فجأة، فإن مقدار التحفيز النقدي اللازم لرفع التضخم إلى أعلى من 2 في المائة … يتجاوز كثيرا ما يمكنهم فعله”.
وهذا يترك الاحتياطي الفيدرالي وحده أمام خيار صعب في الأشهر المقبلة. التضخم في الولايات المتحدة يتجاوز هدفه الآن، والطلب منتشر وعليها أن تقرر ما إذا كانت ستستخدم المكابح برفق.
يستعد صانعو السياسة لفتح جدال ينهي بعض الدعم، لكنهم لم يظهروا أي علامة على التردد في إطار سياستهم الجديد، ويصرون على أن ارتفاع التضخم الأخير من المرجح أن يكون مؤقتا وليس مستداما.
في الأسبوع الماضي، قال راندال كوارلز نائب رئيس الاحتياطي الفيدرالي إن إطار العمل مصمم للعالم الحالي مع نمو بطيء للقوى العاملة، ونمو محتمل أقل، وتضخم أساسي أقل، وبالتالي أسعار فائدة أقل. وأضاف: “لست قلقا بشأن العودة إلى السبعينيات”.