▪︎ مجلس نيوز
في ملصق نصف ممزق، يظهر رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراجي، بينما تم وضع طلاء أحمر دموي على وجهه، وهو يحيي زوار عقار سكني مدمر في نابولي، فيما لا يعد رمزا للغوغائية فحسب، ولكن لليأس والإحباط اللذين أصابا جنوب إيطاليا لأجيال.
وذكرت وكالة “بلومبيرج” للأنباء، أن مشروع “لا فيلي”، ويعني بالإيطالية الأشرعة، السكني، استوحي من المهندس المعماري لو كوربوزييه- وهو أحد رواد عمارة الحداثة الفرنسية- وتم بناؤه تقريبا في التوقيت نفسه لبناء مجمع “باربيكان إستيت” السكني، الذي يقع على حافة مدينة لندن. وفي ظل القدر نفسه من الجمال الملموس، والمثل العليا المشتركة للحياة الحديثة، صار أحدهما مثالا لانتصار تخطيط المدن، وانحدر الآخر ليتحول إلى حي عشوائي حضري.
وسيطر تجار المخدرات على الممرات والسلالم المشتركة، التي كانت تهدف إلى إعادة الحيوية إلى وسط المدينة القديم في نابولي، حيث كانت تلك العصابات هي وحي إلهام تأليف كتاب وفيلم “جومورا”.
ويقول نائب عمدة مدينة نابولي، كارمين بيسكوبو، بينما يحتسي قهوة الإسبريسو، التي أحضرتها امرأة محلية له ولضيوفه: “لم يكن بفي إمكان أي ممثل عن الدولة الحضور إلى هنا قبل بضعة أعوام”.
ويتم حاليا هدم مشروع “لا فيلي” السكني، الذي يعيش به مئات الأسر الفقيرة، وإعادة بناء المنطقة تحت رعاية دراجي، في إطار خطة رئيسة لإحياء ثروات ما يطلق عليه اسم “ميزوجيورنو”، وهي منطقة كبرى من إيطاليا تمتد في النصف الجنوبي للبلاد، وتبدأ من جنوب نابولي.
ويقوم حاليا الرجل، الذي يعود إليه الفضل في إنقاذ اليورو منذ نحو عقد من الزمان، بمهمة سياسية واقتصادية استعصت على مهندسي التوحيد قبل 150 عاما، ألا وهي جعل إيطاليا دولة متماسكة، بداية من صقلية ووصولا إلى جبال الألب، بحسب ما نقلته “الألمانية”.
وذكرت وكالة “بلومبيرج” أن هذا يعد حجم المهمة: بنية تحتية متهالكة، وفساد، وبطالة مزمنة، وروتين مرعب. ويعد كل رجل دولة إيطالي بالتعامل مع أزمة الجنوب، حيث يبلغ حجم البطالة هناك نحو ضعف حجمها في الشمال، كما أن نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي يصل بالكاد إلى النصف.
وما يقدمه دراجي هو مبلغ غير مسبوق من المال وقدر من الخبرة، التي تمكنه من إدارة المشروع بصورة جيدة، حيث إنه يراهن على سمعته كشخصية إصلاحية، لإنجاح الأمر.
وتعد إيطاليا أكبر الدول، التي حصلت على مساعدات من الاتحاد الأوروبي لمكافحة تفشي وباء كورونا، وقد قام بتخصيص نحو 40 في المائة من أصل 260 مليار يورو (316 مليار دولار) من برنامج التعافي للمناطق المهملة.
وتعد القضية المهمة حاليا هي عنصر الوقت، فدراجي هو رئيس وزراء تكنوقراط، وعلى الرغم من أنه له ثقله، فإن اتجاه الرياح السياسية قد تعني أن إيطاليا تتجه صوب أحد انتخاباتها المتكررة للغاية خلال العامين المقبلين.
ويشعر المرء بالتحدي في “لا فيلي”، من خلال هذا الملصق المشوه، الذي ينتقص من قدر المصرفيين ويسخر من أشهر تصريحات دراجي، وهو: “مهما تكلف الأمر”.
وتشير “بلومبيرج” إلى أن المسؤولين في برلين وفي باريس وفي بروكسل، يراقبون الوضع عن كثب. فقد لاحظوا وجود قفزات في الديون، التي سجلتها إيطاليا على مدار الأعوام، وفشل الجهود المتتالية لتعزيز الاقتصاد، ويخشون من أن المشروع الأوروبي قد يواجه تصفية حساب في يوم ما. وفي الواقع، يعد الزحف التصاعدي لتكاليف الاقتراض الإيطالية خلال الأسابيع الأخيرة، “تطورا مشؤوما” يسلط الضوء على مخاطر حدوث أزمة مالية، بحسب خبراء “بلومبيرج”.
وكان دراجي قد قال أمام مجلس الشيوخ في روما في نيسان (أبريل) الماضي عندما وضع خططه وتولى زمام المشروع: “إنه أمر خطير بالنسبة لمستقبل أوروبا.. سنكون، إلى حد ما، مسؤولين عن الفوز أو الخسارة”.
وإذا نجح دراجي في إعادة وضع إيطاليا على مسار النمو، فسيدعم قضية الاتحاد المالي من خلال جعل صندوق الانتعاش ذي التمويل المشترك، دائما، بحسب ما قاله مسؤول كبير في الاتحاد الأوروبي. أما إذا فشل، فإن أي حجة من أجل مزيد من التكامل النقدي ستتبخر.