▪︎ مجلس نيوز
فترة العقدين ونصف العقد الماضية، كانت جيدة للشركات الكبيرة. في حين أن حجم القطاع الخاص كنسبة مئوية من اقتصادات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ظلت ثابتة نسبيا منذ منتصف التسعينيات، فقد نمت حصة الشركات التي تزيد إيراداتها السنوية على مليار دولار بنسبة 60 في المائة منذ عام 1995. أصبح الكبير أكبر، والغني أغنى. لكن وراء هذا الاتجاه الرئيس هناك قدر كبير من الفروق الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية الدقيقة، كما يظهر كتاب أبيض جديد من معهد ماكينزي العالمي.
درس الباحثون المساهمات الاقتصادية لكل من الشركات الخاصة والعامة في الدول الغنية على مدى الـ 25 عاما الماضية. عند قراءة التقرير لفتت نظري خمسة دروس رئيسة لصناع السياسات وقادة الشركات التي ينبغي أن تثري النقاش حول دور الشركات في المجتمع.
أولا، الخسائر التي تتكبدها اليد العاملة بالنسبة إلى رأس المال تعد أكثر تطرفا مما كان يظن سابقا. في حين أن مكاسب الإنتاجية منذ منتصف التسعينيات بلغت 25 في المائة بالقيمة الحقيقية، إلا أن الأجور ارتفعت بنسبة 11 في المائة فقط. في غضون ذلك، زاد دخل رأس المال بمقدار الثلثين. إذا كان هناك أي شك في أن الرابط بين الإنتاجية والأجور قد انهار، فينبغي على هذا أن يحسم النقاش.
وهذا يعزز الحجة من أجل تقاسم أوسع بكثير للثروة الرأسمالية. في الوقت الحالي، تمتلك أعلى 10 في المائة من الأسر في الولايات المتحدة 87 في المائة من حقوق الملكية. يقول جيمس مانيكا، مدير معهد ماكينزي العالمي: “من الأهمية بمكان أن يكون لدينا مزيد من الناس المشاركين في مسار دخل رأس المال، لأنه في حين يظل دخل اليد العاملة الأهم بالنسبة لأغلب الناس، فإن دخل رأس المال يمثل جزءا أكبر وأكبر من الوجهة التي تذهب إليها القيمة”.
يمكن للشركات أن تعرض ملكية الأسهم لعدد أكبر من الموظفين أو حتى لجميع الموظفين. لكن يمكن للقطاع العام فرض ضرائب على ثروة أسهم الشركات، وهو أمر اقترحه أخيرا إيمانويل سايز وجابرييل زوكمان أستاذا الاقتصاد في جامعة كاليفورنيا في بيركلي. أو يمكن أن تدفع عائدا رقميا للأفراد يمثلون حصة من ثروة البيانات التي تجمعها أكبر وأغنى الشركات، ولا سيما منصات شركات التكنولوجيا الكبرى.
يشير هذا إلى درس رئيس آخر: قاعدة الأصول غير الملموسة. من بين جميع الطرق التي يمكن للشركات أن يكون لها تأثير في الاقتصاد -من الأجور والضرائب التي تدفعها من خلال فوائض المستهلكين التي تولدها بأسعار أرخص إلى العوامل الخارجية السلبية مثل التداعيات البيئية- فإن الطريقة التي سجلت أكبر قدر من النمو الحاد خلال الـ 25 عاما الماضية كانت الاستثمار في الأصول غير الملموسة مثل التكنولوجيا والبرمجيات وبراءات الاختراع وما إلى ذلك. هذا ارتفع بنسبة 200 في المائة. وهو يجعل الشركات أكثر إنتاجية لكنه يرتبط بعمليات التعافي من البطالة على المدى القصير إلى المتوسط، وهو مصدر قلق سياسي كبير.
يقودني هذا إلى الدرس الثالث، وهو أن الأنواع المختلفة من الشركات لها تأثيرات مختلفة جدا في الأسر والاقتصادات. تقرير معهد ماكينزي يقسم الشركات إلى ثمانية نماذج أولية: المكتشفون (على سبيل المثال، شركات التكنولوجيا الحيوية، التي تؤدي إلى تقدم الحدود العلمية)، والمختصون بالتكنولوجيا، بما في ذلك المنصات التي تبني الاقتصاد الرقمي، والخبراء (الخدمات المهنية والمستشفيات والجامعات)، ومنظمات التوزيع التي توزع المنتجات وتبيعها، والصناع (شركات التصنيع)، والبناة، والمحركون، والممولون.
خلال معظم القرن الـ 20 كان الصناع والبناؤون بارزين. على مدى الـ 25 عاما الماضية، فقدوا مواقعهم أمام نماذج أصلية الأخرى. في حين أن الصناع شكلوا 56 في المائة من الشركات الكبيرة في مجموعة البيانات في عام 1995، إلا أنهم كانوا يمثلون 41 في المائة فقط بحلول الفترة 2016 – 2018. لكن مع تراجعهم، يتراجع التوظيف الجيد كذلك. يسهم الصناع بنسبة 20 في المائة أكثر من المتوسط في دخل اليد العاملة، ويوظفون أكبر عدد من الأشخاص ويتمتعون بأوسع توزيع جغرافي للقيمة بفضل سلاسل التوريد الخاصة بهم وحاجتهم إلى المساحة المادية والاستثمار في السلع المادية.
لا عجب أنهم في قلب النقاش الوطني حول التنافسية. بعض الدول مثل اليابان وألمانيا (حيث لم يتراجع الصناع على الإطلاق)، اتخذت قرارات سياسية محددة لدعمهم. دول أخرى، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، لم تفعل ذلك بالقدر نفسه.
هذا هو الدرس الرابع: الدول لديها مصالح شركات مختلفة للغاية. المختصون بالتكنولوجيا يحركون الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، بينما يحكم الصناع ألمانيا. يقود الممولون الرئيسون في هولندا، وفرنسا هي بالدرجة الأولى حول المكتشفين ومنظمات التوزيع، وعلى الأخص في قطاع السلع الكمالية.
في حين أن الدراسة لا تدرس تحديدا الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، إلا أنها بالتأكيد تلمح إلى أن الأوقات الصعبة أمامها. الشركات الكبيرة تدفع كنسبة مئوية من الإيرادات لمورديها أقل مما كانت تدفعه قبل 25 عاما، وكثير من هؤلاء الموردين هم من الشركات الصغيرة والمتوسطة. بالنظر إلى أن هذه الشركات كثيفة العمالة، وعادة ما تكون أكثر كثافة من الشركات الكبيرة، فإن ذلك له آثار اجتماعية وسياسية مهمة.
وهو ما يقودني إلى الدرس الأخير: المنافسة مهمة. نحن نعلم أننا نعيش في اقتصاد ناجح للغاية. هذا هو من نواح كثيرة النتيجة الطبيعية للعولمة والتمويل وصعود عمالقة المنصات، التي تتعرض لانتقادات شديدة في جميع أنحاء العالم بسبب القوة الاحتكارية التي تمارسها. الشركات الكبيرة، ولا سيما في الولايات المتحدة، كانت أكبر الرابحين اقتصاديا خلال ربع القرن الماضي.
لكن كي يتمتع قطاع الأعمال بـ 25 عاما أخرى من النمو غير المقيد، سيحتاج إلى إظهار أنه يمكن أن يثري نطاقا أوسع من أصحاب المصالح. الفائض الاستهلاكي الناتج عن انخفاض الأسعار على المنتجات والخدمات التي أنشأها المختصون بالتكنولوجيا والصناع لا يعوض بشكل كامل عن فقدان الوظائف بسبب الأتمتة. تستحوذ الأسر ذات الدخل المرتفع، ولا سيما في الولايات المتحدة، على نصيب الأسد من ثروة الشركات.
أظهرت الأعوام الـ 25 الماضية أن الشركات يمكن أن تولد كمية هائلة من الثروة. يجب أن تظهر الـ 25 عاما التالية أنه يمكنها مشاركة تلك الثروة بشكل متساو.