▪︎ مجلس نيوز
دلفت قبل أيام إلى مكتبة تراثية ممتلئة الرفوف، مكتنزة المعارف، من كل المشارب واللغات التي لا حصر لها، وأمعنت النظر فيما لهفت إليه، وبينما كنت أقلب بصري بين دفات الكتب وعناوينها بحثا عن بغيتي، تبارت لدي عدة تساؤلات في شهرة بعض الكتب واستمرار تداولها عشرات، بل مئات الأعوام، ولعقود متعاقبة بين البشر، وما الخبيئة التي نجهلها حتى تجعل نصا من النصوص أو كاتبا أو مصنفا ينتقل مع البشرية جيلا وراء جيل.
من يملك حل الأحجية يخبرني، لأن المؤلف نفسه أحيانا لا يعرف ولا ينتشر نتاجه الفكري إلا بعد وفاته أو بعد أعوام طويلة بعد أن درست آثاره وطوى النسيان ما دار من أحداث جسام في جيله، خلا ما احتفظت به محبرة الكاتب التي لولاها ما وصلتنا تلك الرسوم والعلوم.
الكتابة ترصد الصور وتوثق المشاهد وتحكي السرد وتعكس الثقافة وتنقل المعارف والمفاهيم، وهي شكل للتعبير والتواصل الإنساني وأعمق من الحديث المعرض للزوال بزوال محدثه، وهي – أي الكتابة – أقدر على ربط الأجيال المتعاقبة ببعضها، من خلال التراث المكتوب، وأما الحديث الشفوي وما يسمى “الرواية”، ربما يتناقل فترة من الزمن، لكن من المحتمل جدا أن ينساه الناس، زيادة على ذلك فالكتابة أكثر أمانة على النص من الحديث، وأكثر حفظا له، كما جاء في الكتابة على الألواح، فضلا عن أن الكتابة تتيح للإنسان الاتصال بعدد كبير من الناس، والمدون مرشح للبقاء في ذاكرة التاريخ ومن الخالدين أبد الآبدين.