▪︎ مجلس نيوز
السعودية تمتلك سجلا ونموذجا فريدا في مجال دعم القطاع الصحي وتطويره منذ فترة طويلة، من خلال تجربتها الميدانية الطويلة في التعامل مع استقبال الملايين من الحجاج والمعتمرين، حيث وفرت لهم جميع الخدمات الصحية المتنوعة، وفق تقنيات حديثة، من خلال مستشفيات ومراكز صحية ثابتة ومتنقلة في المشاعر المقدسة. ومن هنا جاءت تجربة السعودية في التعامل مع ملف مكافحة انتشار فيروس كورونا منذ الوهلة الأولى، وفق خطة مدروسة ومنظمة، من تجهيزات وكوادر طبية مؤهلة، ودعم كامل للقطاع الصحي من الحكومة بميزانيات إضافية ضخمة لاستقبال الحالات والإصابات ومعالجتها، حتى توفير اللقاح خلال فترة وجيزة، ولذلك كانت التجربة السعودية في مواجهة فيروس كورونا رائدة وناجحة بكل المقاييس، مقارنة بدول متقدمة عانت كثيرا للتعامل مع هذا الوباء.
انتشر فيروس كوفيد – 19 مع مطلع عام 2020، ثم تحول إلى وباء عالمي في غضون شهر واحد فقط، وأصبح العالم أمام تحديات لم يسبق لها مثيل. لقد كانت تجربة الإنفلونزا الإسبانية حاضرة في الوجدان العالمي، وسيطر القلق من تكرار التجربة فيما لو تم التساهل مع انتشار المرض، واليوم يقف العالم أمام تفاوت كبير في نتائج التعامل مع فيروس كوفيد – 19، وتنوع التجارب العالمية التي أضافت إلى رصيد البشرية كثيرا من المعرفة.
ورغم وجود دول لا تزال تعاني موجات انتشار الفيروس التي وصلت الآن إلى الموجة الثالثة، إلا أن هناك بوادر عالمية أيضا بانحسار انتشار المرض. وما إن ظهر التراخي في بعض الدول نتيجة الأخبار الجيدة عن اكتشاف اللقاحات، حتى ظهر لديها سلالات متحورة من الفيروس سريعة الانتشار بشكل جعل منظمة الصحة العالمية تنادي بالعودة إلى تعليق السفر من وإلى هذه الدول.
كما ظهرت هناك مشكلات لوجستية كبيرة لم تكن في الحسبان في توزيع اللقاحات التي أوصت منظمة الصحة العالمية باستخدامها، وظهرت أيضا مشكلات في تجارة هذه اللقاحات، ومعوقات قانونية تتعلق بحقوق الملكية الفكرية. السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين، تعيش وضعا آمنا بفضل من الله ثم بفضل الخطط الحكيمة التي اتخذتها الدولة منذ اللحظات الأولى لانتشار الجائحة.
وهنا نشير إلى دعوة الملك سلمان، قادة مجموعة العشرين من أجل اجتماع طارئ لتوحيد الجهود بشأن معالجة تداعيات الجائحة، والحاجة إلى دعم منظمة الصحة العالمية، حيث تبرعت المملكة حينها بمبلغ 500 مليون دولار للمنظمة من أجل المساعدة على إيجاد لقاح ناجع للفيروس. كما قدمت المملكة من خلال مجموعة العشرين مقترحات لدعم الدول الفقيرة والمثقلة بالدين من أجل مساعدتها على توفير الدعم المناسب لمواجهة آثار الجائحة لديها، سواء كانت آثارا اقتصادية أو صحية، وهو ما نتج عنه دعم بأكثر من 20 تريليون دولار منذ انتشار الجائحة، تضمنت إعفاءات من الدين أو تكلفة الدين، أو تأجيل الدفعات.
لقد تأكد للعالم أجمع من خلال جهود المملكة أنها تقدم الأبعاد الإنسانية على أي قضايا أو مسائل اقتصادية، وأنها تلتزم بقيم أخلاقية تضع حياة الإنسان مهما كانت جنسيته أو ديانته محل الاهتمام ذاته دون تمييز. واستمرارا للنهج نفسه، ودعما للحكومة الهندية في مواجهة انتشار الفيروس هناك في موجة هي الأعنف وتسببت في نقص المخزون من الأكسجين، أرسلت المملكة فورا عددا من الحاويات التي تحمل في داخلها 60 طنا من الأكسجين الطبي المخصص للمرضى المصابين بالفيروس.
وأشادت الحكومة الهندية بهذا الدعم في أكثر من مناسبة، كان آخرها تصريحات وزير الطاقة الهندي على حسابه في “تويتر”، تضمنت التقدير للدعم السعودي لبلاده أثناء موجة كورونا الشرسة. وعلى هذا المنوال، قدمت السعودية مساعدات في هذا الجانب، حيث وقفت أيضا بجانب الأردن الشقيق عندما قلت موارده من أنابيب الأكسجين في بعض المستشفيات الأردنية، ووجه الملك سلمان بن عبدالعزيز، حينها، مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بالإسهام في سد النقص الحاد من الأكسجين الطبي ومستلزماته في وزارة الصحة الأردنية، وذلك بسبب جائحة كورونا.
وكانت هذه المواقف الإنسانية بجانب الأشقاء محل إشادة وتقدير. وفي الوقت الذي اتضحت فيه التفاوتات الناتجة عن توزيع اللقاحات بين الشعوب والدول، ودعوة دول ومنظمات بضرورة أن تكون تلك القيم الأخلاقية في قمة أولويات خطط التوزيع، كانت السعودية بقيادة خادم الحرمين، نموذجا في التعامل الحكيم والإنساني، فمع انتشار الجائحة صدرت الأوامر بمعالجة جميع من يعيش على أرض المملكة دون سؤال عن الهوية، أو مساءلة بشأن نظامية الإقامة.
كما شددت على ضرورة إجراء الفحص اللازم مجانا لكل من يطلب ذلك، ووفرت منصات إلكترونية تسهل عمليات أخد المواعيد وتعمل طوال اليوم، وتم تطويرها، وتطويعها من أجل منح الناس الحماية، وكل ذلك مجانا. وعندما توافر اللقاح، تم منح جميع المواطنين والمقيمين فيها دون فرز، وهذا على خلاف ما قامت به دول أخرى حول العالم، التي أصرت على توفير اللقاح فقط لمواطنيها، بل ما زالت تعمل على ذلك، رغم أن مثل هذا الإجراء سيؤخر من الوصول إلى النسب التي اقترحتها منظمة الصحة العالمية، وحذرت من أن وباء كورونا لن ينتهي قبل تطعيم 70 في المائة من سكان العالم على الأقل.
ونجحت السعودية في تغطية المناطق كافة باللقاحات، وبنسبة تطعيم بلغت نحو 40 في المائة من السكان. وما كنا لنصل إلى هذا المستوى – والحمد الله – ما لم تكن هناك استراتيجية واضحة تعنى بصحة الإنسان، مع دعم وزارة الصحة بأكثر من 47 مليارا خلال فترة الجائحة، والاهتمام البالغ بالعاملين في القطاع وأسر المتوفين منهم، ومن ذلك صرف مبلغ 500 ألف ريال لذوي المتوفى بسبب الجائحة ممن يعمل في القطاع الصحي الحكومي أو الخاص، مدنيا كان أم عسكريا، سعوديا كان أم غير سعودي.
هذا التوجه ليس بمستغرب على السعودية، التي تضخ ما يقرب من ربع الميزانية سنويا على الصحة، كما أن تجربتها أثناء الجائحة تقدم نموذجا يحتذى في إدارة الأزمات، والمحافظة على القيم الإنسانية، فلم تفرق بين مواطن ووافد أثناء الجائحة، وهذه تعد من الثوابت الاستراتيجية منذ زمن طويل في تأريخ السعودية.