▪︎ مجلس نيوز
تحولات كبيرة يشهدها الاقتصاد العالمي في هذه الحقبة الاقتصادية المعقدة، حقبة الثورة الصناعية الرابعة، ودخول الآلة والذكاء الاصطناعي محل الموارد البشرية، مع تنامي التطبيقات الذكية، والأنظمة الخبيرة Expert systems، والمتاجر الإلكترونية، وكذلك الألعاب التفاعلية، وبرامج الواقع الافتراضي، وغيرها.
وأصبحت جميع هذه التطبيقات يوما بعد آخر تقبل الدفع من خلال ما يسمى العملات الرقمية المشفرة، وما زال هذا النوع من العملات يثير كثيرا من الجدل منذ بروز نجمها كنوع من العملات الـ”لا مركزية”، أي لا يتحكم بها غير مستخدميها، ولا تخضع لرقيب مثل حكومة أو مصرف مركزي، بحيث تعتمد على التشفير، لكن يمكن استخدامها كأي عملة أخرى للشراء عبر الإنترنت أو حتى تحويلها إلى العملات التقليدية.
وبعيدا عن التعقيدات التقنية في آليات إنتاج هذه العملات المشفرة، فإنها تعتمد على تقنيات البلوكتشين، التي تتطلب ارتباطا دائما بين مجموعة كبيرة من أجهزة الحاسب الآلي، كما أن الطلب المتزايد على هذه العملات المشفرة، لأسباب تتعلق بسهولة التعامل والتخلص من الرقابة الحكومية ومناسبتها للتبادل دون تحويلات بنكية معقدة، أو تعقيدات الزمن في البطاقات الائتمانية.
وبالفعل، هناك شبهات عديدة ينقصها الدليل حول استخداماتها بشكل واسع في جرائم غسل الأموال، وهذه الاتهامات التي بدأت تطول العملات المشفرة عموما، وعدم خضوعها للرقابة الحكومية، إلا أن هذا لم يحد من حدة المضاربات على هذه العملات، خاصة عملة بيتكوين، التي وصلت إلى أكثر من 50 ألف دولار قبل أن تعود إلى مستوى 30 ألف دولار، كما أنها ارتفعت بنسبة تزيد على 200 في المائة منذ أواخر 2020، وأكثر من 1000 في المائة منذ 2019. وعلى الرغم من هذا الزخم الكبير حول هذه العملة المشفرة والعملات الرقمية الشبيهة، فإنها تواجه اليوم اتهامات بالأضرار بالبيئة، من خلال الاستهلاك الضخم للكهرباء، والطاقة عموما، وتنامي ذلك من عام إلى آخر.
ونشرت “الاقتصادية” تقريرا متكاملا بهذا الخصوص، فإنتاج هذه العملات بما يسمى التعدين، يتطلب وجود أجهزة كثيرة وكبيرة ومرتبطة دائما بالشبكة، ما يتطلب طاقة مستمرة. فمثلا، إنتاج عملة بيتكوين، يتطلب حل الألغاز المكثفة على البلوكتشين، وهي صعبة، وحلها يتطلب تواصلا مستمرا، وكلما قامت “المناجم” بإرسال أرقام عشوائية إلى خوارزمية عملة بيتكوين، يتطلب الأمر آلات قوية تعمل بسرعة فائقة، وبالتالي استهلاك طاقة كهربائية أكبر وبشكل متزايد، وهو الأمر الذي صنع سوقا جديدة للطلب على الطاقة.
ففي مدينة نيويورك، ظهرت شركة أسهم خاصة اشترت محطة توليد كهرباء ثم حولتها إلى محطة توليد الكهرباء وتعدين العملات الرقمية، ما يؤكد أن تعدين هذه العملات يتطلب محطات طاقة خاصة بها، والمقلق جدا أن هذه الشركة تقول في خطتها إنها تستخدم الغاز، بما يسمح لها بإنتاج عملات معدنية مقابل ثلاثة آلاف دولار في كل مرة، وتتطلع إلى شراء مزيد من محطات توليد الكهرباء.
ولا يمكن فهم المخاطر المتنامية لهذا الطلب الضخم على الطاقة الكهربائية من تداول وتعدين العملات الرقمية، إلا بمعرفة محددة، حيث إنه، وبحسب تقارير لوكالات عالمية، طورت جامعة كامبريدج مؤشرا لاستهلاك عملة بيتكوين للكهرباء، وبين أن تعدين عملة بيتكوين يستهلك سنويا 133.68 تيراواط لكل ساعة من الكهرباء، وهو ما يكفي لإدارة جامعتهم بأكملها لما يقرب من 700 عام، كما يضعها قبل دولة السويد كاملة في استهلاك الكهرباء، بمقدار 131.8 تيراواط لكل ساعة من استخدام الكهرباء في 2020، وأن الآلات التي تستخدم العملة المشفرة، تتطلب طاقة أكبر من تلك التي تستهلكها هولندا، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 17 مليون نسمة.
إن هذه الأرقام المفزعة، والمخيفة، دفعت إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إلى القول إن مستقبل العملات الرقمية يأتي في مقابل ثمن كبير على حساب البيئة وصحة الإنسان، على الرغم من أنه أحد أكبر مؤيدي استخدام هذه العملات، ويرى أن لها مستقبلا واعدا، إلا أن هذا التصريح جعل أنصار العملات الرقمية ينتجون عملة جديدة تسمى “اللعنة على إيلون”، كما ذكرت التقارير، وهذا يعطي مؤشرا نحو سهولة نشر هذه العملات، وبشكل قد يجعل السيطرة عليها أمرا في غاية الصعوبة مستقبلا إن لم يكن مستحيلا.
وبينما يعمل أنصار العملات الرقمية على تشجيع الانضمام لها بأشكالها كافة، فإن هناك تيارا كبيرا ومتزايدا من العلماء يحذرون منها، ومنهم من وصفها بالقذرة، ذلك أن تقارير وكالات أنباء دولية تؤكد أن تنامي استخدامها يأتي في دول تعاني مشكلات اقتصادية، وقد تسبب نقصا في إمدادات الطاقة وانقطاع الكهرباء على البعض فعليا، خاصة أن ارتفاع سعر عملة بيتكوين يجذب أجهزة تعدين جديدة.
ويطلق على الأشخاص الذين يديرون أجهزة الحاسوب هذه، اسم “عمال التعدين”، وكلما زاد عدد الحوسبة لديهم، زادت فرصهم في الحصول على العملة المشفرة، وزاد الحافز لإضافة مزيد من الأجهزة إلى الشبكة، وزيادة أرباح المعدنين، وبالتالي استهلاك كبير للطاقة في النهاية. وتقول التقديرات إن استهلاك عملة بيتكوين للكهرباء سيصل إلى نحو 500 تيراواط لكل ساعة في العام، بينما تستهلك المملكة المتحدة 300 تيراواط لكل ساعة.
وليس القلق الناتج من استهلاك الكهرباء فقط، بل من تنامي أعداد الأجهزة التي ترتبط بهذه الشبكة في دول لا تراعي كثيرا من قضايا البيئة، فنحو 65 في المائة من تعدين العملات الرقمية يأتي من الصين، حيث يشكل الفحم نحو 60 في المائة من مزيج الطاقة، ما يعني عودة المخاوف الرئيسة من ارتفاع التلوث، لكن هذه المرة من مصادر لا يمكن السيطرة عليها ولا تقنينها.
ورغم هذه المخاوف الكبيرة، فإن مجموعة من البنوك الاستثمارية لا تزال ترغب في التداول، وإنشاء صناديق عملة لبيتكوين.