▪︎ مجلس نيوز
ما زال التحول الرقمي يعصف بالصناعات تلو الصناعات من أجل مستقبل آخر جديد، وتتكيف الكيانات ذاتها مع التقنية الحديثة، لأن الأخيرة أصبحت أكثر انتشارا مثل الأتمتة وأجهزة الاستشعار وإنترنت الأشياء والذكاء الاصطناعي وغيرها، ولن تسلم الشركات التي تعمل في القطاع ذاته من الضغطين الخارجي والداخلي لتحقيق مكاسب إضافية. لقد تطرقنا سابقا إلى عدد من الصناعات التي لم تسلم من عاصفة التحول الرقمي، ويجول في الأفق صناعة التعدين التي تعد ركيزة مهمة في رؤية المملكة 2030، وما تزخر به المملكة من ثروة معدنية تؤهلها كي تكون منافسة. تحتوي المملكة على موارد معدنية هائلة من الذهب والفضة والفوسفات والبوكسيت والزنك والرصاص والنحاس والسيليكا والنيكل والألمنيوم ومعادن نفيسة أخرى، وما زالت أراضي المملكة توفر إمكانات هائلة للاستكشاف لما تحتويه من موارد مدفونة. ومن أهم المناجم المعروفة منجم مهد الذهب والصخيرات والنويحي وجبل صايد والأمار وغيرها، وهي موزعة على خريطة المملكة. إن عمليات التحول الرقمي تمثل فرصة للشركات العاملة في صناعة التعدين، ومنها شركة التعدين العربية السعودية “معادن”، في إيجاد فرص استثمارية ونماذج أعمال كثيرة. في غضون أعوام قليلة بعد أن شهد العالم طفرة السلع في العقد الأول من القرن الحالي، بدأت صناعة التعدين في مواجهة تحديات بما في ذلك الاستكشاف والإعداد ومعالجة الخامات وصهر المعادن والتوزيع والتسويق. وتشمل التحديات على المستوى العالمي ضعف الطلب والسعة الفائضة، وتطور متطلبات العملاء، واضطرابا في تدفق التجارة، ومتطلبات تنظيمية صارمة، وزيادة تأمين الموارد، وعمق الفجوة في المهارات المطلوبة للقوى العاملة، وأحيانا انخفاض رواسب الخام عالية الجودة، إضافة إلى تقلبات السوق العالية وتدني الأسعار، خصوصا ما تحويه جائحة كورونا الحالية. وعليه نقلت هذه التحديات صناعة التعدين إلى نقطة صناعية جديدة industrial norm، ما دفع بعض شركات صناعة التعدين إلى إعادة التفكير بشكل كبير في العمليات التشغيلية الحالية، من أجل إطلاق العنان لفرص لا مثيل لها بإنشاء قيم جديدة والاستحواذ عليها، ومن هنا ظهرت التقنيات الرقمية باعتبارها الحل الأمثل لإحداث التغيير التحويلي المطلوب. وفقا لتقرير صدر أخيرا عن المنتدى الاقتصادي العالمي، يمكن للرقمنة في صناعة التعدين والمعادن أن توجد حلولا عام 2025 ما يلي: 425 مليار دولار كقيمة مضافة محتملة للصناعة والعملاء والمجتمع والبيئة، و320 مليار دولار كقيمة محتملة لصناعة التعدين والمعادن، و190 مليار دولار كقيمة محتملة لقطاع التعدين، و130 مليار دولار كقيمة محتملة لقطاع المعادن، و610 ملايين طن كخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، وألف حياة “عدد تقديري” يمكن إنقاذها، و44 ألف إصابة “عدد تقديري” يمكن تجنبها.
وكي تنخرط المنظمة بالطبع في عمليات التحول الرقمي، يجب عليها اعتماد استراتيجية رقمية مبنية على العملاء والبيانات والابتكار والمنافسة والقيم، إضافة إلى ضبط الثقافة الرقمية سواء إلى الموظفين والإدارة والعمليات والمهارات، أو إلى التقنيات الرقمية لتمكين الاستراتيجية من القيام بدورها الصحيح. إن رسم تجارب العملاء Customer experience للشركات العاملة في صناعة التعدين مهم إلى جانب أهم اللاعبين في الصناعة وكيفية التواصل معهم والتشريعات الضرورية، وكذلك إدارة المخاطر الناجمة من المنافسة سواء في صناعة التعدين أو القريبة منها مثل صناعة الطاقة أو الكهرباء أو المياه. ولا بد من تحديد قيم متجددة ذات طابع متغير عن ذي قبل بما يسمح لنمو الأرباح ولا يمنع من الدخول في منافسات في صناعات أخرى. ولأن صناعة التعدين تعيش في بيئة أعمال مليئة بالتحديات وتقلبات الأسواق وتذبذب الطلب وزيادة التكاليف والضغط الدولي الرهيب لتحسين البصمة البيئية والاجتماعية وضمان الربح للمساهمين وملاك الشركات، نرى الحاجة إلى تبني استراتيجية الابتكار الرقمي لدفع الصناعة إلى مستقبل التعدين. ولم تكن قضية الابتكار بالمناسبة في مجال التعدين أكثر إقناعا من أي وقت مضى، وهي التي تمثل عنصرا مهما في الاستراتيجية الرقمية. ومن المهم الاستفادة من القدرات الرقمية في عمليات صنع القرار وإدارة الأداء العام في سلاسل التوريد Supply Chains، ومن الممكن للحلول الرقمية أن تدعم عملية صنع القرار بشكل فعال، وكذلك الأداء النشط وإدارة المخاطر من المستوى الاستراتيجي إلى المستوى التشغيلي اليومي. ومن أجل ثبات تنفيذ الاستراتيجية الرقمية، يجب على إدارة الشركة معالجة التغيير الثقافي والسلوكي المطلوب لدى الموظفين. إن برامج الرقمنة تطرح أيضا عددا من التحديات التي تحتاج إلى التعرف عليها ومعالجتها بشكل صحيح، لضمان التبني الناجح لأن بعض هذه البرامج قد ينتج عنها الخوف من المراقبة والشعور بعدم الارتياح. ولذلك فإن دور القيادة مهم في إشراك كامل المنظمة وموظفيها بشكل استباقي والتواصل معهم، لتسهيل التغيير بشكل فعال من خلال رفع مهارات الموظفين وإزالة الحواجز التي تحول دون التغيير، وتحييد المخاوف وصياغة السلوكيات المرغوبة. ستمر الشركات العاملة في صناعة التعدين على منحنى تعليمي حاد وتحتاج إلى مناهج جديدة لأنظمة وهندسة التعدين، لأن نجاح صناعة التعدين على المدى الطويل يعتمد على القوة العاملة ذات المهارات العالية مثل: إدارة البيانات وتحليل الأعمال ونمو الثقافة الرقمية وغيرها. إن استخدام تحليل البيانات الرقمي لتحسين العمليات وإدارة الأصول وتقليل المخاطر سيفيد صناعة التعدين بشكل كبير. وللوصول إلى هذه الغاية بشكل صحيح، نحتاج إلى التغلب على العمليات التشغيلية القديمة، أو ذات الطابع التقليدي التي تقوم في الأغلب على تشغيل مناجم فردية مع تكامل غير فعال بين التعدين والمعالجة والنقل. لكن من خلال ربط هذه العناصر في سلسلة التوريد معا، سيكون هناك مجال خصب للتغيير، وفرص لإيجاد كفاءات إدارية جديدة تؤدي إلى نتائج مرضية لإدارة الشركة… يتبع.