▪︎ مجلس نيوز
تحقق على الطريق الطويل للتصدي الجاد لأسباب ارتفاع معدل البطالة، وضعف وتيرة التوطين في منشآت القطاع الخاص، والاعتماد الكبير على خدمات العمالة الوافدة، أؤكد أنه تحقق خلال الفترة الأخيرة خطوات جيدة جدا، كانت أولى نتائجها خلال الربع الأول من العام الجاري، تحقق صافي زيادة في أعداد العمالة الوطنية في القطاع الخاص بنحو 95.2 ألف عامل، ليسجل إجمالي العمالة الوطنية في القطاع نسبة ارتفاع ربعية بلغت 5.4 في المائة مقارنة بحجمها خلال الربع الرابع 2020 “نمو سنوي بنسبة 9.8 في المائة، مقارنة بحجمها خلال الربع نفسه من العام الماضي”.
كان من أبرز تلك الخطوات التي طالما انتظرتها بيئة سوق العمل المحلية، ما قامت به وزارة الموارد البشرية بتفعيل منهجية تفويض تنفيذ برامج التوطين للأجهزة الحكومية حسب النشاطات الاقتصادية المختلفة، وهي المنهجية المشابهة إلى حد كبير للدور الذي يتولاه البنك المركزي السعودي إشرافيا ورقابيا على قطاعي البنوك والتأمين، ونجح خلاله في الدفع صعودا بمعدلات التوطين إلى أعلى من 94 في المائة في القطاع البنكي، وإلى 75.5 في المائة في قطاع التأمين بنهاية 2020، وأسهم أيضا في ارتفاع استحواذ العمالة الوطنية على الوظائف القيادية في قطاع التأمين إلى 65.2 في المائة للفترة نفسها.
وتأكيدا على الأهمية القصوى لزيادة فعالية برامج التوطين، يرى أنه من الضرورة بمكان أن ضخ خطوتين أخريين رئيستين، سبق التوسع في المقال السابق لهذا المقال حول أهميتهما، ومن أهم النتائج المتوقعة للأخذ بهما أن يسهم في توفير نحو 1.3 مليون وظيفة للموارد الوطنية الباحثة عن عمل خلال الأعوام المقبلة على أقل تقدير، وتتمثل الخطوتان المنشودتان في: أولا، تأسيس برنامج لتوطين الوظائف القيادية والتنفيذية في منشآت القطاع الخاص، وتركيز تنفيذه على المنشآت العملاقة والكبيرة خلال الأعوام الخمسة المقبلة. ثانيا، أن تتركز برامج التوطين خلال الفترة نفسها على المنشآت العملاقة والكبيرة، ورفع معدل التوطين المطلوب منها تدريجيا حتى يصل إلى 70 في المائة بنهاية الفترة، الذي لا يتجاوز المتحقق منه حتى تاريخه ثلث العمالة في تلك المنشآت.
وكما سبق لجميع المبادرات والبرامج المتعلقة بزيادة التوطين في منشآت القطاع الخاص، خلال أكثر من عقد زمني مضى التي واجهت ممانعة من أغلب منشآت القطاع الخاص ولا تزال، فإن هذه التغيرات المطلوب الأخذ بها في صميم برامج التوطين، لزيادة كفاءتها وتأثيرها، ستواجه القدر نفسه من الممانعة ووضع كثير من الأسباب والأعذار، بل قد تواجه درجات أعلى وأكبر من الممانعة مقارنة بما سبق من برامج ومبادرات، وهو الأمر الذي يمكن القول عنه: إنه أصبح معتادا من منشآت القطاع الخاص، والأدق من القول: إنه الأمر المتوقع، وإن جميع الأسباب والأعذار التي دائما ما تقترن بتلك الممانعة، نابع بالدرجة الأولى من الإطار الأضيق الذي ينظر من خلاله أرباب تلك المنشآت إلى قضية التوطين برمتها، مقارنة بالإطار الأوسع والأكبر الذي تنظر إليه الأجهزة الحكومية القائمة على جوانب التوطين تحديدا، وبيئة سوق العمل المحلية بشكل عام.
باختصار شديد جدا لو وضعنا جميع أسباب وأعذار أرباب منشآت القطاع الخاص الممانعة لبرامج وسياسات وإجراءات التوطين في كفة، وتمت مقارنتها وزنا وحجما وعددا بالكفة الأخرى التي تضم الآثار المترتبة على ارتفاع معدل البطالة وزيادة أعداد المتعطلين، فإن النتيجة النهائية سترجح في جميع الحالات الكفة الأخرى – آثار البطالة -، ولن تستطيع على الإطلاق كفة الأسباب والأعذار المعتاد قراءتها وسماعها من أرباب المنشآت مهما بلغ وزنها وحجمها، أن تنافس بأي حال من الأحوال الآثار المترتبة على ارتفاع معدل البطالة، وهي الآثار العكسية في جميع اتجاهاتها التي ليس هنا مقام استعراضها وذكرها، وتعد معلومة من الجميع، بمن فيهم أرباب تلك المنشآت، وتم تغييبها من طرفهم في أثناء السرد المعتاد لأسباب وأعذار ممانعة أي برامج وسياسات للتوطين يتم إقرارها أو اقتراحها، وهو الجانب المفهوم أسبابه والمدرك من كل من هو خارج منظومة منشآت القطاع الخاص.
كل هذا لا يعني بأي حال كان التجاهل التام لأسباب وأعذار ممانعة أرباب المنشآت، ولا يعني أيضا الأخذ بها وقبولها كاملة من بقية الأطراف دائما توجد منطقة وسطى تتقاطع فيها الدائرتان، ومنها يجب العمل بمشاركة الأطراف كافة على البدء منها، وتوسيع مساحتها، والقبول بتحمل مسؤولياتها وتكاليفها، أسوة بالسعي الحثيث إلى جني مكاسبها من قبل جميع الأطراف، في مقدمتهم وزارة الموارد البشرية ومنشآت القطاع الخاص، ودون إغفال بقية الأطراف من أجهزة حكومية أخرى ذات علاقة، والموارد البشرية الوطنية الباحثة عن فرص عمل.
من هنا تأتي أهمية العمل بالخطوتين المأمولتين أعلاه “تركز التوطين على المنشآت العملاقة والكبيرة، توطين الوظائف القيادية والتنفيذية”، اللتين ستأخذان في الحسبان قدرة الاحتمال الأكبر لتلك المنشآت العملاقة والكبيرة على إنجاح برامج التوطين، في الوقت ذاته تخفيف الوطأة على بقية المنشآت المتوسطة والصغيرة والأصغر حجما، ويمنحها فرصا للنمو والتوسع، قد تنقلها في أعوام مقبلة إلى صفوف المنشآت العملاقة والكبيرة، كما يضمن لها حظوظا أكبر للمحافظة على بقائها في بيئة الأعمال. وبالنسبة لتوطين الوظائف القيادية والتنفيذية، وشغلها بالكفاءات المؤهلة لها من الموارد البشرية الوطنية، فسيسهم في تحقق كثير من الفوائد على طريق التوطين النوعي، الذي لخصه ولي العهد، في لقائه التلفزيوني الأخير، بقوله: إن 50 في المائة من الوظائف سيئة لا تحقق رفاهية المواطن، وإنه يسعى إلى رفع الوظائف الجيدة إلى 80 في المائة. وبزيادة نسب استحواذ العمالة الوطنية في تلك الوظائف العليا، ستشهد بيئة سوق العمل المحلية استجابة أكبر لزيادة معدل التوطين، وتخفيف الاعتماد على العمالة الوافدة، بمعنى أن المنشآت ستتحرك تدريجيا من نقطة الممانعة الراهنة إلى نقطة متقدمة أقرب إلى مساندة ودعم برامج التوطين، على العكس تماما، ما هو قائم خلال الفترة الراهنة التي تشهد نسبة استحواذ عالية للعمالة الوافدة على الوظائف العليا، ومن الطبيعي أن تقاوم بكل ما لديها أي برامج تستهدف إحلالها بعمالة وطنية. عدا أنه سيشكل حلا حقيقيا يمكن معه تجاوز عقبة تركز الانخفاض الذي طرأ على العمالة الوافدة خلال الفترة 2017 – 2020 بنسبة 31 في المائة، حيث تركز على العمالة الوافدة الأقل دخلا وتأهيلا – بلغت نسبتهم 98 في المائة من إجمالي العمالة المغادرة -، ولهذا شهد الاقتصاد الوطني عودة ارتفاع الحوالات المالية إلى الخارج على عكس ما تظهره إحصاءات انخفاض العمالة الوافدة، وللحديث بقية.