▪︎ مجلس نيوز
لتجاوز هذا الوضع الراهن المعطل للديون، ينبغي لنا أن نسعى إلى إيجاد أشكال من إعادة هيكلة الديون والإعفاء تعزل الأنظمة الفاسدة. تتمثل إحدى الأفكار في إنشاء هيئة دولية محايدة لوضع قواعد ممارسات الإقراض العادلة من قبل البنوك الدولية. وتستطيع المؤسسة ذاتها عندئذ أن تحدد ما إذا كانت ديون الدولة الحالية قد تراكمت في ظل حكومات منتخبة، وما إذا كانت هذه الديون إرثا لانغماس لصوصي واحتيالي في الاقتراض، وما إذا كان سدادها أو خدمتها من شأنه أن يفرض معاناة لا داعي لها على السكان.
أما الدول التي اقترضت في ظل حكومات منتخبة، فيمكن إعادة هيكلة ديونها الخارجية بشروط سخية، كما يمكن تقديم خيارات مماثلة لأصحاب الديون طويلة الأجل وأولئك الذين قاموا بتنفيذ استثمارات مباشرة أجنبية في العالم الناشئ “لأن أشكال الإقراض هذه من غير المحتمل بالقدر ذاته أن تنتهي إلى جيوب حكام مستبدين”. بالنسبة للدول في المجموعة الثانية، يجب شطب الديون البغيضة التي تراكمت في ظل حكومات استبدادية أو فاسدة سابقة. فلا ينبغي للمواطنين العاديين أن يتحملوا عواقب صفقات أبرمت بين مؤسسات مالية وساسة لم ينتخبوهم. ولا ينبغي للمستثمرين الذين أبرموا صفقات مشبوهة مع حكام غير مستقرين أن يستفيدوا من الحماية الدولية.
أما عن المجموعة الثالثة – الحكومات التي تواجه تكاليف سداد أو خدمة ديون لا تطيقها اجتماعيا – فالحجة واضحة لمصلحة عدم إجبار هذه الدول على الانزلاق إلى مستنقع أعمق من الفقر، حتى لو تكبدت ديونها في ظل حكومات منتخبة. الواقع: إن الافتراض بأن جولة ضخمة من إعادة هيكلة الديون والإعفاء منها قد تعني نهاية تدفق رؤوس الأموال الوفيرة إلى الأسواق الناشئة لا تقوم على أساس سليم. فحتى لو رفضت هذه الدول إعادة الهيكلة أو الإعفاء، فإن أعباء الديون المتراكمة عليها من شأنها أن تمنع مزيدا من الاستثمار في البنية الأساسية، وتخفيف حدة الفقر، والتكنولوجيات الجديدة.
على القدر ذاته من الأهمية، فإن إلغاء الديون البغيضة كفيل بتحسين الحوافز التي تحكم عمل الأسواق المالية الدولية، لأن المقرضين سيكون لزاما عليهم أن يفكروا مرتين قبل أن يدعموا أنظمة حكومية غير شرعية. وهذا التغيير من شأنه أن يوفر قوة دافعة لتصميم إطار جديد للتكامل المالي العالمي.
لن ينجح هذا النهج إلا إذا لم يتحول إلى إدانة شاملة للتمويل الدولي. فلا يزال عديد من الدول النامية في احتياج إلى الموارد للاستثمار وتشييد البنية الأساسية، ولا تزال هناك وفرة من التدفقات المالية الدولية المسؤولة المنظمة التي يمكنها الاستفادة منها. لا يجوز لنا أن نحدث وضعا حيث تترك الأسواق الناشئة والدول النامية دون أي قدرة على الوصول إلى التمويل على الإطلاق.
لتحقيق هذه الغاية، يجب أن تصاغ عمليات إعادة الهيكلة وإلغاء الديون بشكل واضح؛ كإجراء طارئ ضروري وقادر على التمييز بين المؤسسات التي تصرفت على النحو اللائق، وتلك التي دخلت في صفقات مع حكومات فاسدة وسلطوية. ونحن في احتياج إلى هيئة دولية جديدة؛ ليس فقط للإشراف على قواعد الارتباطات المالية المستقبلية ومراقبة ورصد المخالفات المالية، بل أيضا لدعم إطار عالمي جديد من القواعد والمعايير. هذا فقط من شأنه أن يضمن شرعية النظام في أعين الدول النامية والمؤسسات المالية الدولية على حد سواء.
خاص بـ «الاقتصادية»
بروجيكت سنديكيت، 2021.