▪︎ مجلس نيوز
في ظل ديون تتجاوز قيمتها 7.5 تريليون دولار مستحقة لدائنين خارجيين، أصبحت تكاليف خدمة الديون في الاقتصادات الناشئة مرهقة على نحو متزايد في وقت، حيث تحتاج إلى أكبر حيز مالي ممكن لاحتواء أزمة مرض فيروس كوفيد – 19. ورغم الحجة القوية لمصلحة إلغاء قسم كبير من هذه الديون يعارض كثيرون من اللاعبين الرئيسين القيام بذلك، بحجة أنه من شأنه أن يحد من قدرة هذه الدول على الوصول إلى الأسواق الدولية في المستقبل، فيقلل بالتالي من حجم الاستثمار والنمو.
الواقع أن الدليل على هذا الرأي ضعيف بعض الشيء. فبعيدا عن تعزيز الاستثمار والنمو على نحو يمكن التعويل عليه، ستسهم التدفقات المالية الدولية في الأرجح في استحثاث التقلبات في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية. حتى رغم ذلك افترضت الأوساط الأكاديمية ودوائر السياسة لفترة طويلة أن التمويل الدولي يساعد الاقتصادات الناشئة على بناء مؤسسات أكثر فاعلية، ما يمكنها من تطوير أنظمتها المصرفية وأسواق البورصة، على سبيل المثال. كما زعم معارضو الإعفاء من الديون أن الأسواق الناشئة تحتاج إلى الانضباط الذي توفره أسواق السندات الدولية للتهديد المتمثل في هروب رؤوس الأموال بسبب الأحوال السياسية في تلك الدول. على هذا، فقد أثني اليونانيون أثناء أزمة الديون الأوروبية عن التخلف عن سداد ديونهم للبنوك الأجنبية، خشية أن يدمر ذلك ملفهم الائتماني. حتى بعد أن رفض الناخبون اليونانيون الشروط التي فرضتها ترويكا الدائنين الرسميين – المفوضية الأوروبية، والبنك المركزي الأوروبي، وصندوق النقد الدولي -، اضطرت الحكومة اليسارية في اليونان في نهاية المطاف إلى إبرام صفقة، الأمر الذي دفع عديدا من صناع السياسات إلى استنتاج مفاده أن انضباط السوق أدى وظيفته بنجاح.
لكن هذا السرد لم يعد ينم عن الحقيقة. فبعيدا عن ضبط سلوكيات الحكام المستبدين كان التمويل الدولي يسهل مهمتهم. على سبيل المثال، في جنوب إفريقيا في الفترة من 2009 إلى 2018، استمر تدفق الأموال الأجنبية إلى الداخل حتى بعد أن بات من الواضح أن حكومة الرئيس جاكوب زوما الفاسدة آنذاك كانت تستنزف اقتصاد البلاد ومؤسساتها. وعندما طرد زوما أخيرا من السلطة كان ذلك لأن حزبه، المؤتمر الوطني الإفريقي، اتخذ خطوات لإقالته. ولم يكن لسوط الأسواق الدولية علاقة تذكر بتلك الواقعة.
بالمثل، فقد عانت تركيا اقتصاديا تداخلات المؤسسات السياسية ما تسبب في تدهور الاستثمار ونمو الإنتاجية، وشهد الاقتصاد التركي تعثرا عميقا وما زال مستمرا. وكما كانت الحال مع زوما في جنوب إفريقيا، لا يأتي أعظم قدر من المقاومة في مواجهة أردوغان من الأسواق المالية، بل من السياسة المحلية. ففي الانتخابات البلدية التي جرت في العام الماضي، هزم حزبه في أغلب المدن الرئيسة في تركيا، ما جعل قبضته على السلطة أضعف إلى حد كبير.
إلى جانب هذه الأمثلة، هناك أيضا أدلة متزايدة تشير إلى أن التمويل الدولي عمل صراحة على تسهيل الفساد والأنشطة الإجرامية في الأسواق الناشئة، كما حدث في حالة تورط بنك جولدمان ساكس المزعوم في فضيحة احتيال 1MDB في ماليزيا التي شملت 700 مليون دولار. لا ينبغي لأي من هذه الحالات أن تأتي كمفاجأة. فما الذي قد يمنع المؤسسات المالية الدولية من اغتنام الفرص للإقراض بشروط جذابة لحكام مستبدين، أو زيادة أرباحها من خلال مساعدة حكام فاسدين وشركات محتالة على ضبط الدفاتر واستغلال الملاذات الضريبية؟… يتبع.
خاص بـ “الاقتصادية”
بروجيكت سنديكيت، 2020.