▪︎ مجلس نيوز
التكنولوجيا في سبيلها لتصبح من الحروب التجارية الجديدة. ففي خضم سباق الهيمنة على تكنولوجيات المستقبل، أدت المنافسة بين الولايات المتحدة والصين إلى حظر استيراد وتصدير تكنولوجيا شبكات الجيل الخامس، وأشباه الموصلات، ومنصات التواصل الاجتماعي، والتطبيقيات الأمنية القائمة على البيانات عبر عديد من الدول، والآن أصبحت الدول تفرض كذلك قيودا على دخول شركات التكنولوجيا الأجنبية التي ترى أنها تشكل مخاطر أمنية إلى أسواقها المالية. وتحرير تجارة الخدمات الرقمية يتيح المجال لفرض مزيد من القيود.
ومن منظور اقتصادي كلاسيكي، ليس لهذا التصعيد معنى يذكر. ففي القطاعات التقليدية، تؤدي الحواجز التجارية عموما إلى تخفيض مستوى الرخاء الاقتصادي في جميع الدول المعنية، لأنها تحول دون التخصص الكفء وتحد من تنوع السلع المتاحة.
ومع هذا، في حقبة الرقمنة، تحقق قيادة التكنولوجيا الصاعدة أرباحا طائلة، وتتيح الحصول على حصص في السوق العالمية، وتمنح القدرة على وضع المعايير. والخدمات الجديدة المبنية على البيانات؛ كالذكاء الاصطناعي، وشبكات الجيل الخامس التالية، وإنترنت الأشياء، والحاسوب الكمي، أفسحت المجال لمحركات نمو جديدة تبشر بتحويل أنشطة برمتها ورفع الإنتاجية. ولم يتسارع هذا الاتجاه العام نحو مزيد من الرقمنة والترابط الشبكي في العالم إلا بفعل جائحة كوفيد – 19.
وفي ظل ديناميكية الفائز له النصيب الأكبر المترسخة في وفورات الحجم والنطاق تجني القيادة التكنولوجية العالمية منافع جمة. وكان تقرير آفاق الاقتصاد العالمي الصادر عن صندوق النقد الدولي قد أوضح أن نسبة صغيرة من الشركات الابتكارية عالية الإنتاجية قد حققت الهيمنة ونعمت بأرباح هائلة على مدار العقدين الماضيين IMF2019. وتغطي هذه الظاهرة قطاعات واقتصادات عدة، إلا أنها تتسم بالحدة بصفة خاصة في القطاع الرقمي.
ومع هذا، فسباق قيادة التكنولوجيا الرقمية لا يتسق مع الحدود التقليدية ولا مع أصول حماية الملكية الفكرية. فالاقتصاد المتصل بالشبكة يتمكن من الوصول بسلاسة ويسر إلى كل أنحاء العالم لجمع المعلومات وصنع القرارات وتعزيز الكفاءة الاقتصادية. لكنه يمكن أن يسمح كذلك للسارقين والمخربين والجواسيس بمواصلة أعمال السلب أو الغش أو التلاعب أو التدمير. فالرقمنة والترابط عجلا انتشار المعرفة وفي الوقت نفسه أثارا مخاوف أمنية جديدة.
وحول نحو نظام تكنولوجي جديد، فإنه طالما تعامل خبراء الاقتصاد الكلي عموما مع المسائل الأمنية باعتبارها منفصلة إلى حد بعيد عن الشؤون الاقتصادية، ما عدا في حالات هيمنة الصراع والجريمة. وتعاملوا معظم الوقت مع الركائز المؤسسية لحماية حقوق الملكية والمسائل العسكرية على أنها مستقلة عن تحليل السياسة الاقتصادية. لكن هذا التمييز لا وجود له في الفضاء الإلكتروني، فليست هناك معايير محلية فعالة ولا مؤسسات عامة لإحلال الأمن، مثل: شرطة إلكترونية أو نظام عدالة إلكترونية، ولا آليات دولية لتهدئة الأوضاع والحفاظ على السلام.
فالترابط في الحقبة الرقمية يطمس معالم التمييز التقليدي بين القضايا الاقتصادية والأمنية. ومحركات النمو الاقتصادي وقنوات المخاطر الأمنية تتزامن في الربط والتحفيز على استخدام أدوات السياسة الاقتصادية، مثل السياسات التجارية والصناعية، لتحقيق مكاسب أمنية أو جغرافية – سياسية أوسع.
ومن ثم، فنحن نواجه مجموعة جديدة من التساؤلات. متى تصبح هناك ضرورة، إن وجدت، لفرض قيود على التجارة الرقمية في إحدى الدول؟ وكيف يؤثر ذلك في الدول الأخرى، وكيف ينبغي لها أن تستجيب؟ وما السياسات والمؤسسات التي يمكن أن تمنع اندلاع الصراعات؟
ونوضح في ورقة عمل أعدها خبراء صندوق النقد الدولي أخيرا أن بعض الإجابات النموذجية لم تعد تنطبق على الوضع في الحقبة الرقمية Garcia-Macia and Goyal2020 ومتى نظرنا في أهم سمات القطاعات الرقمية – قوة الأسواق الكبرى التي تقودها وفورات الحجم والتدفقات التكنولوجية والمخاطر الأمنية، أمكن ترشيد حظر الواردات والصادرات من منظور كل بلد على حدة. ومع ذلك، فهذا الحظر يسفر عن تكاليف مضنية تتحملها بقية العالم… يتبع.