بعد 86 عاما أمضاها كمتحف، يرتفع صدى الأذان اليوم الجمعة (24 يوليو/ تموز 2020) من متحف آيا صوفيا في اسطنبول، المتحف الذي أعادت تركيا تحويله إلى مسجد بموجب مرسوم رئاسي تعرض لإدانات دولية.
ويشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحلفاؤه المحافظون الإسلاميون في صلاة الجمعة من المعلم الأثري الذي بناه الإمبراطور البيزنطي جستنيان الأول عام 537 كأكبر كنيسة في العالم المسيحي.
وتم تحويل الكنيسة إلى مسجد بعد الفتح العثماني للقسطنطينية، التي تعرف في العصر الحديث باسم إسطنبول، وذلك في عام 1453 من قبل محمد الثاني، المعروف باسم الفاتح.
وتم تغيير وضع المسجد إلى متحف من خلال مرسوم يعود لعام 1934 موقّع من مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس الجمهورية التركية الحديثة.
وتعد آيا صوفيا أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو منذ عام 1985، وهي معلم ثقافي لكل من المسيحيين والمسلمين.
حضور مكثف رغم الجائحة
ويتوقع أن يشارك بين 1700 مسلم في صلاة الجمعة، حسبما ذكرت هيئة الشؤون الدينية التركية. وذكرت وسائل إعلام تركية أن قادة ومسؤولين من دول عدة معظمها إسلامية، مثل قطر وأذربيجان، دعوا إلى هذه الصلاة. وسينشر نحو عشرين ألف رجل أمن لهذه المناسبة.
وتمّ تعيين ثلاثة أئمة لآيا صوفيا الخميس وكذلك خمسة مؤذنين للدعوة إلى الصلاة.
وفي إطار إجراءات الحد من انتشر وباء كوفيد-19، ستقوم السلطات بقياس حرارة المشاركين الذين دعي كل منهم إلى “التزود بكمامة وسجادة صلاة فردية والتحلي بالصبر”.
وقام أردوغان الأحد الماضي بزيارة رمزية لآيا صوفيا الأولى منذ القرار المثير للجدل. وأعلنت الرئاسة أنه خلال الزيارة القصيرة تفقد أردوغان الأعمال داخل الكنيسة ناشرة صورا لسقالات في المكان.
انتقادات دولية متواصلة
وقوبل قرار إعادة تحويل المتحف إلى مسجد بانتقادات حادة خاصة من قبل الغرب. فقد أعربت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليونسكو ومختلف القادة الكنيسيين عن قلقهم إزاء تغيير الوضع، وسط إصرار الرئيس أردوغان على “حق تركيا التاريخي والسيادي”.
وانتقدت روسيا واليونان القرار بشدة، بينما أعرب البابا فرنسيس عن “حزنه العميق” منه.
اقرأ أيضا: محللون ألمان ـ هذه أسباب صدمة العالم المسيحي من قرار أردوغان
وفي آخر التصريحات الصادرة بهذا الشأن صباح الجمعة، انتقدت نائبة رئيس البرلمان الألماني، كلاوديا روت، هذه الخطوة معتبرة إياها “إعلان حرب على تركيا العلمانية” و”إساءة استخدام للدين”. كما وصفت السياسية المنتمية لحزب الخضر الألماني المعارض هذه الخطوة “تجاوزا للحدود” يسعى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من خلالها إلى “حصد الإشادة” من العالم الإسلامي.
وقالت روت في تصريحات لإذاعة جنوب غرب ألمانيا إن أردوغان “يقسم المجتمع”، ويحاول بذلك “الإلهاء” عن الأزمة الاقتصادية وأزمة كورونا والفساد.
القطة جيلي ستظل في المسجد
وكان مصير القطة جيلي التي لها الكثير من المعجبين بما فيهم الرئيس الأمريكي السابق براك أوبما، قد استأترث في سياق الجدل الدائر حول هذا الملف، اهتمام الكثير من الأتراك على وسائل التواصل الاجتماعي ووصفحات الجرائد، وطرح التساؤل عن مصيرها بعد تحويل آيا صوفيا إلى مسجد.
وجلي مشهورة تقريبا كشهرة المكان الذي تعيش فيه منذ سنوات، إذ تحولت القطة رمادية اللون ذات العينين الخضراوين إلى أيقونة مفضلة لدى زوار المكان، بمن فيهم باراك أوباما الذي التقط له مقطع فيديو عام 2009 وهو يربت على جسدها.
اقرأ أيضا: يونسكو تطالب تركيا بعدم إجراء تغيير في وضع آيا صوفيا يقوض قيمته
وأعلنت السلطات اليوم أن جلي يمكنها البقاء في المكان.
وقال إبراهيم كالين، المتحدث باسم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرويترز إن جلي، مثلها مثل غيرها من القطط في المنطقة، ستبقى في الأماكن التي اعتادت العيش فيها.
وأضاف كالين “ذاع صيت تلك القطة، وهناك العديد غيرها لم يتمتع بعد بتلك الشهرة، ستظل تلك القطة هناك، وكل القطط مرحب بها في مساجدنا”.
يذكر أن مرشدة سياحية تدعى أوموت باهتشجي، كانت قد أنشأت حسابا على موقع إنستغرام للقطة جلي قبل أربع سنوات وبات يتوفر على نحو 48 ألف متابع. ويمتلئ ذلك الحساب بصور للقطة، وبعضها مرتبط بأسماء السائحين الذين رأوها.
و.ب/ع.ش (أ ف ب، د ب أ، رويترز)
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
معلم من معالم العمارة
في عام 532 ميلادية أمر الإمبراطور الروماني جستنيان، الذي كان يقيم آنذاك في القسطنطينية ببناء كنيسة صخمة “ليس لها مثيل منذ خلق آدم ولا شبيه في قادم الزمن.” وشارك في العمل 10 آلاف عامل. وبعد مرور 15 عاما تم افتتاح المبنى. وبقيت تلك الكنيسة على مدار ألف عام أكبر كنيسة في العالم المسيحي.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
مكان تتويج حكام بيزنطة
ويقال إن جستنيان استثمر ما يقرب من 150 طناً من الذهب في بناء آيا صوفيا. مع ذلك فقد وجب إجراء تحسينات على المبنى. فالقبة كانت في البداية مسطحة للغاية وانهارت عند وقوع أحد الزلازل. “آيا صوفيا” ومعناها “الحكمة المقدسة” اعتبرت مباشرة كنيسة الدولة. ومنذ منتصف القرن السابع الميلادي جرى هنا تتويج جميع حكام بيزنطية تقريباً.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
التحول من كنيسة إلى مسجد
في عام 1453 سقطت القسطنطينية في يد السلطان العثماني محمد الفاتح، الذي أعلن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد. وحل الهلال مكان الصلبان، ودمرت أجراس الكنيسة والمذبح وجرى تفكيك الفسيفساء والجداريات. كما أقيمت أول مئذنة بالمبنى فأعطته مظهراً إسلامياً.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
التحول من مسجد إلى متحف
في عام 1934 أمر مؤسس الدولة التركية الحديثة؛ مصطفى كمال أتاتورك بتحويل آيا صوفيا إلى متحف. ومع أعمال الترميم المكلفة لآيا صوفيا كانت هناك نية لعدم الإنحياز لدين معين فتم حينها إظهار لوحات الفسيفساء البيزنطية مرة أخرى. كما كان هناك حرص على عدم تدمير البنايات الإسلامية اللاحقة. وفي 10 يوليو 2020، ألغت محكمة تركية عليا مرسوم عام 1934، مما مهد الطريق لتحويله إلى مسجد.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
الإسلام والمسيحية على قدم المساواة
التاريخ المضطرب لآيا صوفيا يتضح اليوم للزوار في كل ركن من أركان البناية المعلمة. كتابات مثل “الله” و”محمد” تحيط بأيقونة مريم العذراء مع الطفل يسوع في حجرها. ومن الجدير بالذكر أن النوافذ الأربعين في القبة الكبيرة تسمح بمرور الضوء وتمنع انتشار الشقوق وتدمير القبة. في عام آيا صوفيا 1985 أعلنت اليونسكو المبنى كأحد مواقع التراث الإنساني.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
أيقونات بيزنطية
الفسيفساء الرائعة المعروضة على جدار الرواق الجنوبي لآيا صوفيا تعود للقرن الـ 14 الميلادي. وحتى وإن لم تكن كاملة إلا أن الوجوه المشكلة بالفسيفساء لازالت واضحة جداً للعيان. في المنتصف صورة يسوع كحاكم للعالم، وعن يساره ماريا وعن يمينه يوحنا.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
ليس مكانا للعبادة
الصلاة في آيا صوفيا ممنوعة اليوم. وقد التزم بذلك أيضاً البابا بنديكت السادس عشر، عندما زار البازيليكا في عام 2006. وجرت زيارته في ظل إجراءات أمنية مشددة، فقد سبقتها احتجاجات للقوميين ضد زيارة البابا. ومؤخراً، جمع شباب الأناضول الوطني المحافظ 15 مليون توقيع لأجل إعادة المتحف ليكون مسجداً من جديد.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
قيمة رمزية كبيرة
المنطقة المجاورة لآيا صوفيا لا تنقصها البنايات الإسلامية: ففي الجهة المقابلة مباشرة ترتفع مآذن جامع السلطان أحمد، المعروف أيضا باسم “المسجد الأزرق” (يمين). ويدعو القوميون إلى إعادة آيا صوفيا لتكون مسجدا، لأنه يرمز إلى فتح القسطنطينية على يد العثمانيين. وفي نظرهم أنه يجب حماية هذا التراث الإسلامي.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
مطلب المسيحيين الأرثوذكس
برتلماوس الأول بطريرك القسطنطينية؛ الرئيس الشرفي لجميع المسيحيين الأرثوذكس يطالب هو أيضاً بحقوق في آيا صوفيا. ويدعو منذ سنوات، لفتح الكنيسة (البازيليكا) مرة أخرى للقداس المسيحي. ويقول إن آيا صوفيا “بنيت لتكون شاهداً على الإيمان المسيحي” وينبغي أن تكون بمثابة “مكان ورمز للاجتماع والحوار والتعايش السلمي بين الشعوب والثقافات”، حسب تعبيره.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
مسجد مرة أخرى
ألغت المحكمة الإدارية العليا في تركيا المرسوم الحكومي الذي استمر لعقود والذي حول آيا صوفيا إلى متحف، مما مهد الطريق لتحويل المبنى إلى مسجد مرة أخرى، على الرغم من التحذيرات الدولية والمراجع المسيحية من هذه الخطوة وهو ما تتحفظ عليه الحكومة التركية.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
قرار فوري
وبعد أن وافق مجلس الدولة أعلى محكمة إدارية في تركيا بطلب من عدة جمعيات على إبطال قرار حكومي يعود للعام 1934 ينص على اعتبار الموقع متحفاً، أعلن الرئيس أردوغان فوراً تحويل كنيسة آيا صوفيا مسجداً.
-
“آيا صوفيا” تحفة البوسفور تثير الجدل من جديد
أردوغان يشارك في أول صلاة
ويشارك الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجمعة (24 تموز/ يوليو 2020) بأول صلاة للمسلمين في كنيسة آيا صوفيا السابقة في اسطنبول منذ تحويلها إلى مسجد.
الكاتب: كلاوس داهمان/ صلاح شرارة/ ع.ح