▪︎ مجلس نيوز
قد يعتقد البعض بأن المرونة وجه من أوجه الضعف، وبأنها لا تعد مفتاحا للأبواب المغلقة، لا تحل المشكلة ولا تغير الواقع، بل تزيد الطين بلة. في اعتقادي بأن المرونة تاج الحكمة أحيانا، لا تتعارض مع الحزم والقوة، بل هي حزم وقوة من نوع آخر، وإنها من أهم صفات القائد الحصيف الذي يعمل من أجل منظومته للمحافظة على مكتسباتها، وتحقيق أهدافها، ورعاية مصالحها.
القائد الحقيقي لا ينظر عند قدميه، بل ينظر بعيدا حيث يعي تماما أين يريد أن يصل، ويعرف متى وكيف يظهر الحزم، ومتى يلين جانبه، فكما قيل “لا تكن قاسيا فتكسر، ولا لينا فتعصر”. عندما وصلت أسعار النفط قبيل أيام إلى مستوى 76 دولارا للبرميل، رجعت بي الذاكرة إلى عام 2018 عندما بلغت الأسعار المستوى ذاته بسبب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، الذي تم إبرامه في 14 تموز (يوليو) من عام 2015 بين كل من إيران والقوى العالمية الست “5 + 1″، وهي الصين وروسيا وأمريكا وفرنسا وألمانيا وبريطانيا. الذي تبعته عقوبات اقتصادية على إيران، منها الصادرات النفطية الإيرانية، حيث بلغ إنتاج إيران من النفط حينها نحو 3.8 مليون برميل يوميا، وكانت تهدف إلى رفع إنتاجها النفطي إلى 4.5 مليون برميل يوميا في غضون خمسة أعوام.
تبدد المخطط الإيراني جراء انسحاب أمريكا، فبدلا من زيادة الصادرات النفطية الإيرانية، انخفضت بصورة كبيرة ومؤثرة. المقصود هنا أن أسواق النفط تمر بتقلبات كثيرة، وتؤثر فيها عوامل متعددة، منها على سبيل المثال لا الحصر، العوامل الفنية، والعوامل السياسية والأمنية، والعوامل الطبيعية، منها المتوقع كالعقوبات الاقتصادية على بعض الدول، ومنها غير المتوقع كجائحة كورونا، على سبيل المثال، التي فاجأت العالم برمته، وشلت اقتصاده وهزت أركانه.
من كان يتوقع أن يصل سعر الخام الأمريكي إلى ما دون الصفر؟ وأن يهوي سعر خام برنت إلى نحو 19 دولارا للبرميل؟ من كان يتوقع أن تغلق دول العالم حدودها؟ وأن تنحر حركة الطيران من الوريد إلى الوريد؟ في هكذا ظروف استثنائية، لا يمكن الخروج منها – بعد توفيق الله – إلا بقيادة استثنائية تقرأ المشهد بعقلانية وتضع الحلول المناسبة والفاعلة.
هذا ما فعلته “أوبك” بقيادة السعودية، التي لا ينكر دورها المحوري التاريخي ذو لب منصف، تارة بحزم يضع النقاط على الحروف، ويعيد أسواق النفط إلى طريقها الصحيح، وتارة بمرونة مدروسة تحول دون انحرافها عن الطريق. “أوبك” بقيادة المملكة قامت، وما زالت، بتحرك مرن إيجابي وفاعل يهدف إلى استقرار وتوازن أسواق النفط لمدة أطول.
وهذه المرونة منقبة لها وليست مثلبة، والأرقام تشهد بذلك، ولا أصدق ولا أجدى من لغة الأرقام. عن دور السعودية لا أزيد على ما ذكره الأمير عبدالعزيز بن سلمان وزير الطاقة، من أن السعودية تلتزم دائما بالمحافظة على توازن السوق، سعيا منها إلى تحقيق نمو اقتصادي عالمي قوي، وبما يساعد المنتجين والمستهلكين على تحقيق الازدهار.
فالنفط سيحتفظ بدوره المستقر في توجيه دفة الاقتصاد العالمي، وسيظل حجر الأساس لمستقبل الطاقة المستدام، ونظرا إلى أهميته في تحقيق التقدم والازدهار، ستبذل “أوبك” وشركاؤها، كل ما يتطلبه الأمر للمحافظة على استقرار السوق وضمان عدم حدوث نقص في المعروض.