من بغداد إلى البصرة، ومن كركوك إلى بابل، يجمع العراقيون على أن الغزو الذي أمر به الرئيس المخلوع صدام حسين بدأ في الثاني من آب / أغسطس 1990 واحتلال الكويت الذي انتهى في السادس من آذار/ مارس 1991 بتدخل من تحالف دولي قادته واشنطن “كان بداية النهاية”.
تقول أم سارة، وهي مدرسة متقاعدة من بغداد، إنه “منذ غزو الكويت لم نر استقراراً ولا أمناً”، إذ أن القائمة تطول بدءاً من الحصار، مروراً بالغزو الأميركي والحرب الأهلية والعنف الطائفي، وصولاً إلى اجتياح تنظيم “الدولة الإسلامية” للبلاد.
غزو العراق ـ خطوة لم يصدقها العالم
بدأ كل شيء بعد أربعة أيام من دخول القوات العراقية إلى الكويت. أعلنت الأمم المتحدة حينها حصاراً لم يخرج منه العراقيون إلا بعد غزو الأميركيين للبلاد في العام 2003 وإطاحة نظام صدام حسين.
والدينار العراقي الذي كانت قيمته يوماً تساوي ثلاثة دولارات، انقسم على تسعة آلاف. فراتب جاسم محمد، المدرس في مدينة الكوت جنوب بغداد، كان يساوي “سعر دجاجة في السوق”. ولذلك، في بعض الأيام “أكلنا كل شيء في الحصار، حتى أعلاف الحيوانات حولناها غذاء”، وفق ياسر الصفار الذي يبلغ من العمر 44 عاماً وكان شاهداً على سنوات الحصار.
ويشير محمد لوكالة فرانس برس إلى أن “الحصار غيّر أخلاقيات المجتمع، وكان الخطوة الأولى لخلق الفساد المالي والإداري في البلد”، الذي يحتل مراتب متقدمة اليوم في لائحة الدول الأكثر فساداً في العالم. عايش هشام محمد مرحلة تدني المستوى الطبقي لوالده، الذي كان من أهم مستوردي معدات البناء.
يقول محمد البغدادي الخمسيني “بعد دخول العراق في حصار شديد وانهيار العملة وتوقف الاستيراد بشكل تام، فقد والدي عمله التجاري وكل الأموال التي كانت لديه نقداً، قرابة مئة ألف دينار، أي ما كان يساوي ثلاثة ملايين دولار، وصارت فجأة بلا قيمة”.
ازدهرت حينها طبقات أخرى من المجتمع، وهي طبقة الـ”جُد بالموجود” أو “تدبّر نفسك”، وهم أولئك الذين كانوا يعرفون كيفية تجديد إطار مثقوب، أو تحويل توربينات من دون قطع غيار، والذين أعادوا استخدام قناديل الغاز مع غياب الكهرباء، أو استخدام الثياب البالية لمئات المرات.
انهيار الجيش العراقي
أما الجيش، فقد خسر كل شيء على مرأى كاميرات العالم التي كانت تواكب تطورات “عاصفة الصحراء”، أولى الحروب المنقولة مباشرة على الهواء. رأى سرمد البياتي، الذي كان ضابطاً في تلك الحقبة، جنوداً يعودون إلى العراق مشياً! وبمجرد عودتهم “كانوا يمتهنون أعمالاً صغيرة أثناء الإجازة لتغطية نفقاتهم”.
ومع غرق العراق في الركود الاقتصادي، ازدهرت الكويت. لكن عائلات عدة لا تزال ترثي قتلاها ومفقوديها، ولا يزال السجناء السابقون يتحدثون عن التعذيب. وفي الصيف الماضي، أعيدت إلى الكويت جثث عثر عليها في مقابر جماعية في جنوب العراق.
قامت عائلة أحمد قبازرد، أحد وجوه “المقاومة الكويتية” الذي تعرض للتعذيب وأعدم، بتحويل المنزل الذي دمره العراقيون جزئياً، إلى متحف صغير لأهوال الاحتلال.
ورغم إعادة بناء المنزل اليوم، تقول ابنته شروق التي كانت في السابعة من عمرها وقتذاك “لا أستطيع أن أقول إنني متصالحة مع نفسي في مشاعري مع الشعب العراقي، ولكن هذا ليس ذنبهم. لقد اكتشفنا بعد سنوات أن العراقيين كانوا يعانون من القمع وعانوا من الطاغية صدام حسين”.
غيداء العامر شعرت أيضاً بـ”فرحة” عند سقوط نظام صدام حسين في العام 2003. فقبل 20 عاماً من ذلك اليوم شنقت أختها “بواسطة سلك كهربائي بعدما أخذتها القوات العراقية (…) بسبب انضمامها للمقاومة الكويتية”.
مأساة حرب لن تنسى
سجلت الكويت كل الدمار وعمليات القتل والتعذيب والسجن، وحددت خسائرها، وقدمت الأمم المتحدة الفاتورة إلى العراق. وخلال ثلاثين عاماً، دفعت بغداد 51 مليار دولار، ولا يزال العراق، الذي يشهد أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه اليوم، مديناً بنحو أربعة مليارات دولار.
-
عقود من التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط.. ما النتائج؟
حرب تحرير الكويت
كانت البداية بعملية عاصفة الصحراء. استهدفت العملية العسكرية إنهاء الاحتلال العراقي للكويت التي غزاها صدام في أغسطس / آب من عام 1990. وبعد رفض العراق للقرارات الدولية بالانسحاب من الكويت بدأت الحرب في منتصف يناير / كانون الثاني من عام 1991 من خلال تحالف غربي شمل نحو 32 دولة كان على رأسها الولايات المتحدة بجانب بريطانيا ومصر والسعودية والإمارات وإيطاليا وغيرها.
-
عقود من التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط.. ما النتائج؟
حرب تحرير الكويت
كان من أبرز نتائج الحرب سقوط نحو مئة ألف قتيل من الجيش العراقي وتلوث إشعاعي نتيجة قصف العراق بمئات الأطنان من قذائف اليورانيوم المنضّب، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية الكويتية وجانب كبير من البنية التحتية العراقية، كما فرض حصار دولى خانق على العراق تسبب في وفاة مئات الآلاف من الأطفال بسبب سوء التغذية وضعف الخدمات الصحية، واستقرت القوات الأمريكية في الخليج وأنشأت به عدة قواعد عسكرية.
-
عقود من التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط.. ما النتائج؟
غزو العراق وإسقاط صدام
على الرغم من تأكيدات الوكالة الدولية للطاقة الذرية من أن العراق لايقوم بتطوير أسلحة نووية أو أسلحة دمار شامل، ورغم المحاولات الأمريكية المتواصلة لإقناع الأمم المتحدة بالعكس من خلال صور ومستندات ثبتت فبركتها فيما بعد، قررت الولايات المتحدة العمل خارج إطار المنظومة الأممية وتنفيذ عملية عسكرية في عام 2003 للإطاحة بصدام حسين. كان التحالف الدولي مكونا من الولايات المتحدة وبريطانيا بشكل رئيسي.
-
عقود من التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط.. ما النتائج؟
غزو العراق وإسقاط صدام
بعد 15 عاما من غزو العراق واسقاط النظام العراقي تبدو النتائج كارثية، حيث سقط نتيجة الغزو مئات الآلاف من العراقيين بينهم نساء وأطفال، ودمرت أغلب آثار واحدة من أقدم الحضارات الإنسانية في العالم ونهب البنك المركزي العراقي بحصيلة قدرت بحوالي 100 مليار دولار وتمزق العراق إلى مناطق نفوذ طائفي لتنشأ فيما بعد كارثة اسمها “داعش”.
-
عقود من التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط.. ما النتائج؟
إسقاط نظام القذافي
في عام 2011 انطلقت في ليبيا إنتفاضة شعبية على نظام العقيد الراحل معمر القذافي، ومن خلال مظلة أممية قصف تحالف غربي مكون من الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا الأراضي الليبية بهدف تنفيذ منطقة حظر جوي لتقليل خطر القوات التابعة للقذافي على قوات الثوار، فما كان من القذافي إلا أن أمر بفتح مخازن الأسلحة “لتسليح الشعب لمقاومة العدوان” وتحولت ليبيا إلى حالة فوضى.
-
عقود من التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط.. ما النتائج؟
إسقاط نظام القذافي
نتج عن التدخل العسكري الغربي في ليبيا تمزق البلاد إلى أقاليم متصارعة وأصبحت ليبا مسرحاً للصراع بين تحالفات إقليمية ودولية. على أن الأسوأ كان انتشار سلاح وذخيرة الجيش الليبي لتتلقفه أيدي الفئات المتصارعة التي كان بعضها جماعات متطرفة. لم يقف الأمر عند هذا الحد بل خرج السلاح من ليبيا ووصل إلى تنظيمات إرهابية في دول مجاورة.
-
عقود من التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط.. ما النتائج؟
الحرب على داعش
مع انهيار السلطة في العراق واشتداد الحرب الأهلية في سوريا ظهر تنظيم الدولة الإسلامية، المعروف إعلاميا بـ”داعش”، وأعلن التنظيم الإرهابي ما أسماه بـ “دولة الخلافة”التي سيطرت على مساحات واسعة من الأراضي في العراق وسوريا. في عام 2014 تشكل تحالف دولي بقيادة الولايات المتحدة ومعها فرنسا والبحرين والأردن وقطر والسعودية والإمارات بهدف القضاء على تنظيم داعش.
-
عقود من التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط.. ما النتائج؟
الحرب على داعش
وبالفعل تم القضاء على ما يسمى بـ”الدولة الإسلامية” بعد فظاعات هائلة ارتكبها ليس فقط في حق أتباع الطوائف والديانات الأخرى وإنما في حق مسلمين أيضاً. على أن هزيمة التنظيم أدت إلى تشتت قواته وتفرقها بين الدول المختلفة لتبدأ في تشكيل جيوب لخلايا إرهابية شكلت تهديداً محدقاً بأمن هذه الدول.
-
عقود من التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط.. ما النتائج؟
سوريا.. المأساة المستمرة
في فبراير / شباط من عام 2011 بدأت الثورة السورية بشكل سلمي، لكن النظام السوري واجهها بعنف شديد ما سمح لأطراف داخلية وخارجية بتحولها لحرب أهلية، لتبدأ واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث. ذهل العالم من صور لآف الجثث لسوريين قضوا جوعاً أو تحت التعذيب في أقبية السجون السورية. لكن الغضب الدولي تصاعد مع تواتر الأنباء عن استخدام الجيش السوري للأسلحة الكيماوية ما أدى لمقتل مئات المدنيين.
-
عقود من التدخلات العسكرية الغربية في الشرق الأوسط.. ما النتائج؟
سوريا.. المأساة المستمرة
نفي النظام السوري استخدامه لأسلحة كيماوية ودعمته موسكو بفيتو متكرر في مجلس الأمن، ما جعل واشنطن تبدأ في تشكيل تحالف خارج نطاق الأمم المتحدة لتوجيه ضربات عسكرية للنظام السوري والميليشيات الإيرانية، كان أبرزها ضربة أمريكية في أبريل 2017 على قاعدة الشعيرات قرب حمص. وجددت واشنطن تهديدها بضربة إنتقامية ردا على هجوم كيماوي مفترض بدوما، وسط مخاوف شديدة من مواجهة عسكرية مع روسيا أبرز لاعب عسكري في سوريا.
استغرق إصلاح العلاقات بين البلدين 20 عاماً. ولم ترفع الأمم المتحدة العقوبات التي فرضتها في العام 1990، إلا في العام 2010، أي بعد سبع سنوات من سقوط نظام صدام حسين.
ورغم ذلك، لا تزال الخلافات الحدودية قائمة، إذ أن العراق يعترف بالحدود البرية التي رسمتها الأمم المتحدة في العام 1993، لكنه يعتبر أن حدوده البحرية تمنعه من الوصول إلى الخليج، وهو أمر حيوي لاقتصاده. ولذلك تعتقل البحرية الكويتية الصيادين العراقيين بانتظام.
المفقودون لا يزالون بالآلاف من الجانبين. وبحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر، لم تتم إعادة سوى 215 كويتياً و85 عراقياً.
لكن بالمجمل، تحسنت العلاقات بشكل كبير بين البلدين. وفي العام 2018 استضافت الكويت مؤتمراً للمانحين لإعادة بناء العراق، وكانت أوّل من ساهم بمبلغ ملياري دولار.
لكن شروق قبازرد تلفت إلى أنه “لا يمكن أن أنسى الغزو”. وتضيف أن “الغزو يعتبر أهم مرحلة بالنسبة لجيلي (…) يمكن أن نتسامح ونتصالح، لكن لا يمكن أن ننسى ما حصل”.
ح.ز/ و.ب (أ.ف.ب)