كان من الصعب أن يخفي أرمين لاشيت فرحته العام الماضي عندما أطلق عليه ناد ينظم كرنفالا سنويا في مسقط رأسه، آخن، لقب الفارس الشرفي. قال: “أخيرا حصلت على وظيفة من المحاولة الأولى، دون أن أخسر مرتين أولا”.
في مواجهة هذا النوع من النكسات المؤلمة التي عاناها لاشيت في حياته المهنية، معظم السياسيين كانوا سيستسلمون ويجربون شيئا آخر. لقد زلت قدماه على الطريق الوعر نحو القمة عدة مرات لدرجة أن بعضهم اعتقد أنه لن يعود إليه مرة أخرى.
لكن الرجل البالغ من العمر 59 عاما كان دائما يقف على قدميه ثانية. السبت، حقق أكبر انتصار له حتى الآن. فاز في انتخابات رئاسة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وبالتالي انتقل إلى الصدارة في خلافة أنجيلا ميركل في مقعد المستشارية.
يرى أصدقاؤه أنه ناج سياسي، عزيمته المطلقه وقدرته على التحمل أثمرا أخيرا. في مواجهة الهزيمة، “لم يستسلم ويبتعد”، حسبما قالت سيراب جولير، سياسية من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي تعرفه منذ 15 عاما. “لقد كان يركز دائما”.
كان لاشيت، وهو ابن عامل منجم درس القانون وعمل فيما بعد صحافيا، يعد منذ فترة طويلة “الرجل الذي فشل في النجاح” في السياسة الألمانية. فاز بمقعد في البوندستاج في أوائل الثلاثينات من عمره لكنه خسره بعد أربعة أعوام. في 2010 ترشح لمنصب رئيس فرع الاتحاد الديمقراطي المسيحي في ولايته، شمال الراين وستفاليا – وهزم مرة أخرى.
قال أحد نواب المعارضة المحلية يعرفه منذ أعوام: “اشتهر حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في شمال الراين وستفاليا بصراعاته الداخلية على السلطة، وكان لاشيت يبدو دائما في الجانب الخاسر”.
رغم كل ذلك حافظ على روح الدعابة. هو أحد سكان راينلاندر العاديين، لطيف وودود، ويظهر في كثير من الأحيان بملابس تنكرية في وقت الكرنفال. وكانت الجائزة التي فاز بها في آخن في شباط (فبراير) الماضي هي “ميدالية ضد الجدية المفرطة”، تقديرا لـ”شخصيته وشعبيته وخفة دمه الطبيعية”.
لكن بالنسبة لبعض المتشددين التقليديين في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي، كانت لديه مشكلة: ينظر إليه على أنه ليبرالي جدا، ومرتبط بشكل وثيق بميركل. بصفته نائبا في البوندستاج، كان لاشيت جزءا من “بيتزا كونيكشن”، وهي مجموعة نقاش غير رسمية جمعت المشرعين الشباب من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي وحزب الخضر.
باعتباره وزيرا في مجلس وزراء شمال الراين وستفاليا في العقد الأول من القرن الـ21، روج لفوائد الهجرة، قائلا في 2009 إن التنوع العرقي والديني يجب أن ينظر إليه على أنه “فرصة” لألمانيا “وليس تهديدا”. أطلق عليه زملاؤه الديمقراطيون المسيحيون لقب “أرمين التركي”.
قالت سيراب جولير التي عملت مستشارة له في الفترة من 2000 إلى 2010 وهي الآن وزيرة الدولة لشؤون الاندماج: “كان أول سياسي في هذه الدولة يعطي الأشخاص من مجتمعات المهاجرين الشعور بأنهم مهمون، وأن مخاوفهم أخذت على محمل الجد”.
استمر ذلك خلال أزمة اللاجئين في 2015، عندما كان لاشيت مدافعا قويا عن سياسة “الباب المفتوح” التي انتهجتها ميركل لدرجة أن الصحافة في برلين وصفته بأنه “الحارس الشخصي لميركل”.
قد يكون المحافظون في الاتحاد الديمقراطي المسيحي أصيبوا بالفزع، لكن لم يضر ذلك بفرصه في صندوق الاقتراع. في 2017 تحدى حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي التوقعات بالفوز في الانتخابات الإقليمية في ولاية شمال الراين وستفاليا، التي لطالما اعتبرت “القلب النابض” للديمقراطيين الاشتراكيين، من يسار الوسط، الذين حكموا نحو 50 عاما من الأعوام الـ75 الماضية. أصبح لاشيت رئيسا للوزراء.
قال أحد حلفائه المقربين: “إن التغلب على صاحب منصب شهير أمر صعب للغاية في السياسة، وكل استطلاعات الرأي قالت إنه لا يستطيع ذلك. المشكلة في لاشيت هي أن الناس دائما ما يستخفون به”.
على الرغم من أن الجميع كانوا يعلمون أنه كان مناصرا معتدلا لميركل، إلا أن مجلس الوزراء الذي شكله عكس السلسلة الكاملة لوجهات النظر في حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. لديه وزير داخلية صارم في القانون والنظام شن هجوما بارزا على العشائر الإجرامية. ولديه وزير عمل خبير معروف في السياسة الاجتماعية من يسار الاتحاد الديمقراطي المسيحي. ولديه جولير، وزيرة الاندماج، وهي ابنة مهاجرين أتراك.
قال جوزيف هوفينورجن، الأمين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي في شمال الراين وستفاليا: “لاشيت شخصية موحدة – هذه هي قوته الرئيسة. إنه يفهم أن الاتحاد الديمقراطي المسيحي يحتاج إلى ليبراليين اقتصاديين ومحافظين أصحاب قيم وأشخاص لديهم أجندة اجتماعية أكثر”.
بناء على نجاحه في ولاية شمال الراين وستفاليا، كان لاشيت يعد المرجح لقيادة الاتحاد الديمقراطي المسيحي عندما ألقى قبعته في حلبة المنافسة في شباط (فبراير) الماضي، خاصة بعد أن عين وزير الصحة، ينس سبان، الذي يحظى بشعبية بين المحافظين الشباب، نائبا له.
لكن جائحة فيروس كورونا أوقفت العمل. لقد شهد تراجع شعبيته خلال المرحلة الأولى من تفشي المرض، عندما ظهر مترددا وغير حاسم. في ظهوره في البرامج الحوارية التلفزيونية، لم يكن مستعدا بشكل جيد وكان عاطفيا جدا. تراجعت شعبيته في استطلاعات الرأي مع ارتفاع شعبية ماركوس سودر، رئيس وزراء بافاريا صارم الحديث والقوي. لكنها تحسنت تدريجيا واستعاد أراضيه وأظهر الناخبون تقديرا أكبر لإدارته للأزمة.
في خطابه أمام المفوضين يوم السبت، قدم لاشيت نفسه باعتباره المرشح الوحيد من بين المرشحين الثلاثة الذي يمكنه جمع المعسكرات المتنافسة المختلفة معا لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي. قال إن أي زعيم حزب “يجب أن يكون قادرا على التوحيد” للوصول إلى تسويات وإيجاد حلول. أيضا نصب نفسه على أنه مرشح الاستمرارية الذي سيحافظ على المسار الواقعي لميركل. قال: “لن نفوز إلا إذا بقينا أقوياء في قلب المجتمع”.
لاشيت أيضا أدخل جوانب شخصية في خطابه باللعب على بداياته المتواضعة. وصف كيف عمل والده “ألف متر تحت الأرض” في “حرارة وظلام ” المنجم، وفي لحظة ما أظهر بطاقة التعريف المعدنية التي كان والده يرتديها في العمل التي أهداها له.
الخطاب بدا أنه حقق الغرض: تغلب لاشيت بشكل مقنع على منافسه الرئيس، المليونير محامي الشركات، فريدريش ميرز، الذي انشغل بسياسة إمالة حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي أكثر إلى اليمين.
الآن لاشيت في مركز الصدارة ليكون المرشح من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي لمنصب المستشار في انتخابات أيلول (سبتمبر). لكن عليه التعامل مع سودر أولا. أي قرار بشأن من يترشح يجب أن يتم بالتشاور مع حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري، بزعامة سودر. تنتشر تكهنات في برلين بأن الأخير قد يفكر في الحصول على المنصب الأعلى.
لكن كثيرين في الاتحاد الديمقراطي المسيحي مقتنعون الآن بأن لاشيت يجب أن يكون مرشحهم في أيلول (سبتمبر). قال أحد نواب الحزب: “سودر شخصية مفرقة، بينما لاشيت موحدة. أريد أن يكون المستشار المقبل من الاتحاد الديمقراطي المسيحي، وليس من الاتحاد الاجتماعي المسيحي”.