▪︎ مجلس نيوز
طالعتنا قناة mbc من خلال برنامجها الصباحي، بلقاء حول مشروع يتعلق «بتأسيس مدينة الخبر وشيء من الذكريات عنها». ولعلي أبدأ بشكر مَن فكر في ذلك العمل، الذي سعدت بتلقي دعوة للمشاركة في إحدى جلساته، ولم أتمكن طالبا تحديد موعد ثان، موعد لم أحظ لسوء الطالع به، رغم حرصي الشديد على المشاركة، في ضوء أن لدي ما يمكن أن يخدم جهود توثيق مدينة الخبر بشكل عام. فشكرا لمجموعة المشروع على وفائهم للخبر، وحرصهم على الحفاظ على تاريخها. ومع إننا في الحقيقة قد تأخرنا بعض الشيء في توثيق تاريخ مدينة الخبر، إلا أنه يسعدني أن أدون هنا تجربة لي في عمل مماثل حول «مدينتي» الخبر، وتوثيق تاريخها.
فكرة التوثيق
وليسمح لي الزملاء الذين أقدر جهودهم بلا حدود، أن أفصح متواضعا، عن حقيقة أنني ولله الحمد والمنة، كنت قد فكرت في موضوع التوثيق منذ عقد من الزمن إن لم يكن أكثر قليلا، وتحديدا في شهر مايو 2010، عندما دونت آنذاك أول ملاحظاتي حول الموضوع، لأخرج منها لاحقا ببرنامج، عملت طويلا على وضعه موضع التنفيذ، ولكني لم أوفق.
وكان من بين أهم ما أوقفني عن الاستمرار في العمل على تنفيذ الفكرة هو عدم تجاوب بعض الجهات، التي تم التواصل معها لتمويل المشروع، وعلى رأسها أحد المصارف بمدينة الخبر. وللإحاطة، فبعض زملائي من رجال الأعمال ومثقفي الخبر والمنطقة، على علم بتلك الجهود.
مشروع توثيقي
ولقد كانت سعادتي ولا تزال بالغة، بمعرفتي بأن هناك مشروعا مشابها يأخذ طريقه للتنفيذ، إلا أنني وبعد المتابعة، اكتشفت أنه يختلف عن توجهي من حيث «المنهجية»، فقد كنت أصبو لتحقيق مشروع توثيقي متكامل «للخبر» من أقصاها إلى أقصاها، مضمونا وشكلا ومحتوى.
لقد كان الهدف العام للمشروع «وهذا بيت القصيد» يتمثل في «الخروج بإنتاج فكري علمي مميز، على شكل وثيقة خطية، تبرز السياق التأريخي توثيقا لماضي مدينة الخبر، مع إيضاح حاضرها، وما يمكن أن يكون عليه مستقبلها».
عناصر بحثية
فقد كنت، كصاحب فكرة، أرى -ولا أزال- أن «الخبر» تمثل مرحلة مهمة في تاريخ المنطقة الشرقية والمملكة، ومن هذا المنطلق، فقد كانت الوثيقة ستشمل خلال إعدادها، العديد من المواضيع التي أكدت أهمية توثيقها، وهو ما يسمى في لغة «التوثيق» «بالعناصر البحثية»، التي وصلت إلى ثمانية عشر (18) عنصرا بحثيا.
ويمثل التالي عناصر البحث الثمانية عشر:
. الموقع الجغرافي
. النشأة والتطور الأولي
. الأهمية التاريخية والإستراتيجية
. الأهمية الاقتصادية
. أرامكو في تاريخ مدينة الخبر
. الحركة التجارية، البنوك والأسواق
. الصيد والحياة البحرية
. المواقع والمعالم المهمة
. أهم المساجد والمقابر والمزارع والعيون
. الدوائر الحكومية
. المقيمون والأجانب
. الأدب، والتربية والعمران
. المرأة والشباب والرياضة
. الحياة الاجتماعية والشعبية
. البناء والحرف والمنتجات التقليدية
. أهم العوائل التجارية
. شخصيات في حياة الخبر القديمة والحديثة والمستقبلية
. رجال الدين، والأعمال، والقانون والثقافة
التأسيس والذكريات
ويقصد «بالشخصيات» أعلاه، أمراء الخبر، والمشائخ والقضاة ورجال الحسبة، ورجال الأعمال والمحاماة والثقافة، والحكوميون، والتربويون، والرياضيون، والمثقفون، والمرأة، والشباب، وغيرهم ممن يستحقون أن يشار إليهم في العملية التوثيقية.
وأشير هنا إلى حقيقة أن «مشروع التأسيس والذكريات» قد تطرق إلى ثلاثة «جزئيات» فقط من عناصر بحث مشروع التوثيق الثمانية عشر المدونة أعلاه، تمثلت في «النشأة» و«الذكريات» و«المواقع».
مجلس استشاري
وبالعودة لمشروع التوثيق، فقد تمثلت أهم النقاط التنفيذية في تأسيس مركز يطلق عليه «مركز توثيق تاريخ مدينة الخبر» يكون مشروع التوثيق أول باكورة أعماله، ومجلس استشاري لتقديم الدعم والمعونة الإدارية والفنية، وميزانية تقديرية.
وكنت قد قربت من أخذ موافقة بعض الزملاء للمشاركة في عضوية المجلس الاستشاري، مصحوبا باجتماع تعريفي تعرض خلاله فكرة المشروع وميزانيته، وبدء إجراءات الحصول على الموافقة الرسمية على المشروع والمركز.
أما مدة تنفيذ المشروع، فقد حددت بثمانية عشر شهرا من العمل، تحت إدارة مشرف عام مشهود له بالكفاءة الإدارية والمهنية في الأعمال التوثيقية، ليقوم بتوظيف اليد العاملة المساندة، واستئجار مقر للمركز، وتصميم الموقع الإلكتروني الرسمي للمشروع.
الدعم والتمويل
وفيما يخص مصادر الدعم المالي، فكان أهم مصدر للمشروع بعد التمويل الأساسي من المصرف السابق ذكره، هي بيوت التجارة العائلية في الخبر، وقد أعدت آنذاك قائمة بأسماء مقترحة، لزيارتها للتعريف بالمشروع، وكسب التأييد المعنوي والمادي له.
وكان كل ذلك سيتم في وقت قياسي، وبدعم المجلس الاستشاري، ومَن سيتطوع للعمل من أبناء الخبر لنتمكن من تنظيم حفل تدشيني، كان قد اختير له منتصف مايو 2010، الذي كان يوافق شهر رمضان المبارك عام 1431.
تغطية فاعلة
وكان العمل في الوقت نفسه مستمرا في العمل على استقطاب عدد من الباحثين والمؤرخين لتقديم المساندة المعرفية والعلمية، وكان بينهم بعض أبناء المنطقة ذوي المعرفة والدراية بأعمال التوثيق، مثل مؤلف كتاب «سنة الطبعة»، وابن المنطقة عالم الآثار الأكاديمي في جامعة الملك فيصل آنذاك، وعالم الاجتماع، أحد أبناء المنطقة الأكاديمي في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن.
كما كنا نأمل، ولتحقيق تغطية فاعلة لكل جانب توثيقي، تكليف باحث متعاون ليكون مسؤولا عن كل عنصر بحثي، وإعداد ورقة العمل الخاصة به، إضافة إلى إجراء المقابلات، ورصد التسجيلات والذكريات واستسقاء الروايات.
مصادر ومعلومات
وشمل برنامج العمل التنفيذي خطة عمل نساعد من خلالها الباحثين على إجراء الأحاديث الروائية والذكريات التسجيلية والمقابلات الشخصية والمدونات المكتوبة وما يتوافر من مصادر ومعلومات، وورش العمل التي سينسق لإعدادها عند البدء، لوضع برنامج العمل المتكامل، كان سيدعى للمشاركة فيها عدد من ذوي الاختصاص.
وقد كان من بين مرشحي المجلس الاستشاري للمشروع من رجالات وسيدات الخبر (رحم الله المتوفى منهم) وكما جاء في مسودة وثيقة المشروع الأساسية المؤرخة في 6 مايو 2010، كل من: الأستاذ عبدالله جمعة، والأستاذ عبدالله الشباط، والمهندس خالد الزامل، والدكتور صالح الدوسري، والأستاذ خالد التركي، والدكتورة نسرين الدوسري، والأستاذ إسماعيل الناظر، والأستاذ إبراهيم المانع، والمهندس خالد النصار والأستاذ محمد الطحلاوي. وللإحاطة، فإن الزملاء المدونة أسماؤهم هنا، ربما كان بعضهم على علم بالمشروع، ولكنهم ليسوا على علم بموضوع المجلس الاستشاري.
تقديم المساندة
أما مهام المجلس، فكانت تنحصر في مهمة أساسية هي تقديم المساندة الاستشارية للمشرفين على المشروع، وكان المجلس سيشكل من عشرة أعضاء ذوي خبرات متنوعة، على أن ينتخب المجلس من بين أعضائه رئيسا ونائبا، وأن يكلف كل عضو برئاسة جانب بحثي من الجوانب البحثية التوثيقية.
وحول مصادر الدعم المالي، فقد كان المقترح، وكما أشير مسبقا، أن يكون أحد مصارف مدينة الخبر هو الراعي والممول الرئيس. وكان سيشمل برنامج التمويل ترجمة وطباعة الوثيقة الخطية إلى الإنجليزية وأن يقدم للبنك تقرير متابعة يوثق مصروفات المشروع الشهرية. وقد سلم خطاب طلب الدعم، الذي أكد الكاتب فيه مسؤولية المصرف الاجتماعية، لرئيس مجلس إدارة البنك، ودار حديث حول الموضوع بين مؤسس المشروع، وأكثر من مسؤول في البنك في أكثر من مناسبة، لم تؤد للتجاوب المأمول.
وكان متوقعا أن يتوافر الدعم اللوجيستي للمشروع، عبر جهات عامة وخاصة في المنطقة مثل إمارة المنطقة، ورعاية الشباب، والإدارة العامة للتعليم، وأرامكو السعودية، ووزارة الإعلام والثقافة، والغرفة التجارية.
مكانة الخبر
ولعلي أختم بالقول إن الهدف من تدوين هذه المقالة حول توثيق مدينة الخبر، هو التأكيد على أهمية التوثيق التأريخي بشكل عام، والتأكيد على أهمية توثيق مدينة الخبر بشكل خاص. هذا من جهة، ومن جهة أخرى، رغبت التأكيد على عدد من الحقائق المتعلقة بتوثيق الخبر، وأولها أن مشروع «التأسيس والذكريات»، الذي يعمل بعض الزملاء على استكماله، يأتي داخل نطاق مشروع التوثيق المقترح هنا، حيث المشروع الأكثر شمولية ومنطقية توثيقية، أملا في أن يتماشى «منتجه» العلمي في نهاية المطاف ومكانة الخبر تأريخيا، أمسها، ويومها، وغدها المشرق بإذن الله.
وكلي أمل في أن ينظر الزملاء، الذين يكملون اليوم مشروع «التأسيس والذكريات» إلى ما طرحته بمهنية عالية، وأنصح في هذا الصدد، بأن يكون التوجه العام هو لمشروع «توثيقي شامل ومكتمل» ومن خلال عمل «جماعي» يشمل العمل عليه كل أهل الخبر، من رجال أعمالها ومثقفيها، ونسائها ورجالها وشبابها وشاباتها، ومن كل أطيافها وشرائحها، وذلك من منطلق، أنه مشروع «الجميع».
منطلقات عمل
أرى أنه من الواجب أن يشارك في هذا العمل التوثيقي المهم، كل مَن يعنيه الأمر، للخروج بعمل واف وشامل، وربما استخدم المناسب مما جاء في بطن هذه المقالة، وما انتهى إليه مشروع «التأسيس والذكريات» كمنطلقات للعمل التوثيقي المستقبلي، للخروج بمشروع «جماعي» الفكر والتخطيط، مضمونا، ومحتوى، وإنتاجا، وإخراجا.
وفي هذا الإطار، أرجو من القارئ الكريم الذي يهمه الموضوع مشاركتي التفكير، وكخطوة أولى في مسار المشروع، في تشكيل لجنة إشراف عام للانطلاق بفكرة توثيق مدينة الخبر، على أن تؤسس اللجنة فور تشكيلها لضوابط، يأتي على رأسها أمران رئيسيان هما، وضع الأسس لإنشاء «صندوق دعم» للمشروع وإعداد «ميزانيته التقديرية». ويأتي التركيز في التوجه الحالي على الدعم المالي من واقع تجربة 2010، فعدم توافر الدعم المالي آنذاك، أطاح بالمشروع الوليد.
أكرر تقديري لوفاء مجموعة «التأسيس والذكريات» وأدعوهم مخلصا بحكم تجربتهم الأخيرة، أن يكونوا أول أصحاب العطاء المهني التطوعي، في بناء وصياغة فكر توثيق مدينة الخبر وتنفيذها.
أرجو أن أكون قد وفقت في تقديم طرح عام، يمثل نواة لمشروع توثيق مدينة الخبر، فإن أصبت فلي بإذن الله أجران، وإن أخطأت فلي أجر واحد، والله من وراء القصد.
الدكتور إبراهيم عبدالله المطرف
أستاذ العلاقات والمنظمات الدولية سابقا
كاتب في الشأن الدولي ومؤسس لمبادرات وطنية