لأعوام كان وجود مستشار مالي يعني الكثير من الأعمال الورقية وحضور الاجتماعات وجها لوجه لتشريح أداء المحفظة.
لكن أزمة فيروس كورونا دفعت كثيرا من مستشاري المملكة المتحدة وعملاءهم إلى تبني ممارسات جديدة. مثل كثير من الشركات يحول التنفيذيون غرفة احتياطية إلى مكان عمل ويستخدمون الهاتف وتكنولوجيا الإنترنت للتواصل مع العملاء.
هذا التحول يجلب تعقيدات وتكاليف، لكنه يعمل على تغيير الصناعة من خلال إيجاد إمكانية روابط أسرع وأكثر مرونة يمكن أن تؤدي في نهاية المطاف إلى تحسين الخدمات وتقليل الرسوم وجعل المشورة في متناول مجموعة أكبر من المستثمرين.
لذلك يمكن أن يكون كوفيد – 19 فرصة للمستشارين الماليين البريطانيين البالغ عددهم 27 ألفا، إضافة إلى أنه سيسبب لهم الصداع والكرب والضيق. الشركات التي تتصدر هذا القطاع، التي تم تصنيفها ضمن أفضل 100 مستشار مالي في قائمة إف تي آدفايزر FTAdviser لهذا العام، تبذل جهودا خاصة للتكيف.
يثير الوباء تحديات خطيرة أخرى، ولا سيما مخاوف كثير من العملاء بشأن استثماراتهم، ومعاشاتهم التقاعدية، وبالنسبة لبعضهم، وظائفهم. أيضا، يجب على المستشارين الماليين الاستعداد في وقت واحد لـ”بريكست”، مثلا، في مساعدة العملاء على الاستثمارات في الاتحاد الأوروبي.
وفقا لستيف كارلسون، وهو مخطط مالي معتمد في شركة كارلسون لإدارة الثروات ـ مقرها كارديف ـ لم يكن بمقدور أي شخص توقع الظروف الحالية. لكنه يضيف: “إذا كنت تعمل في هذا المجال على المدى الطويل، فأنت تعلم أن الأسواق ستنخفض. أخطط مع العملاء الذين يرون ضرورة أن تكون مستعدا لحدوث الأسوأ”.
نصيحة للجميع
فيما يتعلق بالتحول الرقمي يواجه المستشارون الماليون ضغوطا محددة لأن القواعد التي تحكم مهنتهم تتطلب اتصالا منتظما مع العملاء – لمناقشة محافظهم، مثلا. لكن ما كان يتضمن في السابق اجتماعا وجها لوجه يتم الآن عن بعد بالكامل تقريبا.
تقول هيذر هوبكنز، العضو المنتدب لدى شركة الاستشارات نيكست ويلث: “التغيير الأول والأكثر وضوحا هو مشاركة العملاء. يعتمد المستشارون بشكل كبير على مؤتمرات الهاتف والفيديو للتواصل مع العملاء. التغيير الكبير الآخر هو العمل مع فريق عن بعد”.
بالنسبة لكثير من المستشارين، هذا التغيير مرحب به: إلغاء الحاجة إلى السفر للعملاء يتيح لهم أن يكونوا أكثر كفاءة، وقد أقنع التباعد الاجتماعي حتى العملاء المترددين في قبوله.
يقول ريتشارد روس، من شركة تشادويكس الاستشارية ـ مقرها نورفولك ـ إن مكالمات الفيديو “أفضل لنا، وأفضل لكوكبنا، وأفضل للعملاء” لأنها تتيح له التحدث إليهم كثيرا.
لكن الفائدة الحقيقية يمكن أن يشعر بها المستثمرون الأقل ثراء الذين ربما لم يكن المستشارون في السابق ينظرون إليهم باعتبارهم عملاء محتملين.
في 2012 تم حظر رسوم العمولة على استثمارات التجزئة من قبل هيئة السلوك المالي. لم يعد بإمكان المستشارين والمنصات تلقي عمولة من مديري الصناديق مقابل استثمار أموال عملائهم. يتم الآن دفع أجور المستشارين إلى حد كبير من قبل العملاء على أساس النسبة المئوية للأصول.
نتيجة لذلك، كثير من المستشارين تركوا المهنة. انسحبت البنوك التي كانت تقدم المشورة للسوق العامة. أصبحت النصيحة حكرا على الأغنياء. بين 2013 و2015، ارتفعت نسبة المستشارين الذين يصرون على محفظة لا تقل عن 100 ألف جنيه إلى أكثر من الضعف لتصل إلى 32 في المائة.
اعترفت هيئة السلوك المالي منذ ذلك الحين بأن هذه الإصلاحات أسهمت في تكوين “فجوة استشارات” للمستهلكين، على الرغم من أن العدد المتأثر هو محل خلاف حاد مع تقديرات تراوح بين 310 آلاف ومليونين.
تقول هوبكنز إن الممارسات الجديدة التي أدخلت بسبب فيروس كورونا يمكن أن تقلل من تكلفة التعامل مع عميل جديد، التي تقدرها شركة نيسكت ويلث بأنها 1500 جنيه.
تضيف: “أعتقد أن عوامل الكفاءة ستعني أن المستشارين سيكونون قادرين على العمل مع العملاء الذين ربما لم يكونوا جمهورا مستهدفا في الماضي، إذا كان من الممكن خفض التكاليف بالنسبة للعملاء الجدد والعمل معهم بشكل مستمر”.
إحدى شركات الاستشارات المالية التي تستخدم الوباء للابتكار هي شركة سانلام. أطلقت الشركة خدمة “عند الطلب” عبر الإنترنت للعملاء المحتملين، وتم الإعلان عنها عبر فيسبوك وقدمت استشارات مجانية في اليوم نفسه لمدة 45 دقيقة.
يقول جوناثان بولين، الرئيس التنفيذي لشركة سانلام، إن الطلب أكبر مما كان يتوقع. “لم أكن لأفكر قط في أننا سنرى هذا المستوى من التفاعل من عدم وجود علاقة وجها لوجه، عبر شاشة بحتة”.
يضيف: “هذا أتاح لنا مواكبة العالم الحقيقي والبدء في الخروج من القرن الـ20 إلى العصر الحديث.” وهو يتوقع أن تستمر التغييرات إلى ما بعد الوباء.
وجد بحث هوبكنز أن أحد أكبر المعوقات التي تعيق الكفاءة هو حجم الأعمال الورقية التي يتم إجراؤها لدى شركات إدارة الأموال. مع اضطرار الكثيرين الآن على الاستثمار في العمليات غير الورقية، يعتقد كثير من المستشارين الماليين أنه يمكن تخفيف هذا الاختناق بشكل دائم.
يقول مارك بولسون، مدير لدى شركة لانج كات للاستشارات ـ مقرها إدنبره ـ إنه يكافح من أجل تصديق أن مديري الأموال سيفلتون من العودة إلى عملياتهم السابقة المرهقة بعد إعطاء المستشارين لمحة عن بديل أكثر كفاءة. بالنسبة لكثيرين، قد ينظر إلى العودة إلى ممارسات ما قبل الجائحة على أنها “تدهور” في الخدمة.
يضيف متحدث باسم “كولتر”، ثاني أكبر شركة استشارات مالية في المملكة المتحدة: “تأخرت صناعة الاستشارات وبالتأكيد الخدمات المالية بشكل عام عن طبيعة العصر فيما يتعلق بتبنيها للتكنولوجيا”.
“تتمتع التكنولوجيا بالقدرة على إنشاء طرق أكثر كفاءة وفعالية من حيث التكلفة لتقديم المشورة، ونأمل أن يستمر الزخم الذي أحدثه كوفيد – 19”.
أداء قوي
المستشارون على الأقل مشغولون، على عكس الشركات في كثير من قطاعات الاقتصاد البريطاني. على الرغم من تقلبات 2020، أو ربما بسببها، تقوم شركات الاستشارات المالية الكبرى في المملكة المتحدة الآن بالكثير من الأعمال. وجدت الأبحاث التي أجرتها هوبكنز أن 45 في المائة من المستشارين الماليين زادوا من قاعدة عملائهم في 2020.
ومع أن صافي تدفقات الأموال إلى الشركات الاستشارية شهد انخفاضا، إلا أنه لم ينخفض بالقدر الذي كان يخشى منه عندما كانت تقلبات السوق في ذروتها. يبدو أن الجيشان الذي حدث في العام أقنع المستثمرين بالسعي للحصول على مرشد يأخذ بأيديهم. بلغ متوسط صافي التدفقات إلى أكبر عشر شركات استشارات في العام الماضي 491 مليون جنيه، بينما بلغ هذا العام 409 ملايين جنيه ، وفقا لحسابات إف تي آدفايزر.
يقول ستيفن هاربر، العضو المنتدب لشركة أتيفو للاستشارات المالية في شلتنهام، إن تأثير فيروس كورونا في ثروة عملائه كان ضئيلا، مشيرا إلى أن: “محافظ العملاء متنوعة وقد نجت من عاصفة الوباء بشكل جيد. معظم العملاء في وضع إيجابي حتى الوقت الحاضر من العام”.
بالنسبة لكثير من المستشارين تقلب السوق هو وقت للحذر وليس فرصة لبدء تفكيك المحفظة وإعادة بنائها من الصفر.
يسلط كارلسون الضوء على الاحتمالات المتباينة في المستقبل. قد تكون هناك، مثلا، طفرة في السوق بفعل اللقاح أو انهيار آخر مدفوع بتدهور الآفاق الاقتصادية في المملكة المتحدة.
يقول: “إذا كنت تقوم بالتبديل بين الصناديق، فقد تكون خارج السوق لمدة ثلاثة أيام كحد أدنى، لكن من الناحية الواقعية خمسة أيام وفي أوقات متقلبة مثل هذه قد تفوت ارتفاعا بنسبة 10 في المائة.
“إذا كنت تبيع شيئا ما وتحوله إلى نقود، فقد يستغرق ذلك أسبوعين أو ثلاثة أسابيع، وإذا كانت لديك استثمارات حالية، فمن الخطورة بمكان نقلها في الوقت الحالي. أفضل شيء تفعله هو اتباع السلامة”.
يضيف دارين كوك، وهو مخطط مالي معتمد في شركة رد سيركل Red Circle للتخطيط المالي ـ مقرها ديربيشاير: “في مرحلة ما نحصل على إحساس بالمتعة من الأسواق، عاجلا أم آجلا. هذا يتعلق فقط بتثقيف عملائك، وليس أخذ الفضل في الطريق إلى أعلى وعدم إلقاء اللوم على الطريق إلى أسفل”.
اهتماما برفاهية عملائهم في الأوقات الصعبة، سعت بعض شركات الاستشارات المالية، مثل شركة سانلام، إلى مساعدة العملاء على أمور تتجاوز شؤونهم المالية. يقول بولين إن شركته نظمت جلسات تمارين جماعية عبر الإنترنت ودروس طهي حية، مثل كيفية تحضير شريحة اللحم المثالية، لتوفير التفاعل الاجتماعي، شارك فيها نحو 100 شخص.
تداعيات “بريكست”
ما يعقد من الأثر الاقتصادي للوباء هو الآثار المترتبة على “بريكست”. يقول هاربر: “بريكست يؤثر في المقام الأول في المملكة المتحدة، وتتنوع محافظنا الاستثمارية مع تعرض لجميع أنحاء العالم، ما يقلل من أثر بريكست في ثروة العملاء”.
إصلاحات المعاشات التقاعدية في 2015 أعطت المتقاعدين المزيد من الخيارات – خصوصا تحويل مدخراتهم إلى دخل تقاعدي – في وقت يكون فيه نطاق نتائج السوق المحتملة متطرفا بشكل خاص. لطالما غذت أسئلة التقاعد الطلب على المشورة وشهد معظم المستشارين ارتفاع الطلب.
الشركات الكبيرة المدعومة من شركات التأمين على الحياة أو بيوت التمويل – كولتر وبرنامج 1825 من ستاندرد لايف أبردين – تتعامل بشكل جيد مع شركات متوسطة الحجم مثل بونتر ساوث أول، وهي مجموعة تعمل على مستوى المملكة المتحدة، وشركات أصغر مثل فارون إندبندنت للاستشارات المالية التي يوجد مقرها في كانتربري.
تظل مهنة الاستشارات المالية في المملكة المتحدة متنوعة للغاية – على عكس أوروبا القارية، مثلا، حيث تهيمن عليها البنوك وشركات التأمين. هناك أكثر من خمسة آلاف شركة خاضعة للتنظيم، أكثر من 70 في المائة منها مصنفة شركات “صغيرة”.
وقد أسهمت هيئة السلوك المالي في هذا التطور من خلال حظرها للعمولة وفرض معايير تأهيل أعلى. المستشارون هم من المهنيين الذين يقدمون إرشادات مالية خاضعة للتنظيم – وليسوا موظفي مبيعات معينين من قبل البنوك أو شركات التأمين.
لذلك، يمكن للمستثمرين الاختيار بين الشركات الكبيرة التي تدير صناديقها ومنصاتها الخاصة، مثل كولتر، والشركات الأصغر التي تعمل بشكل أكثر استقلالية.