أعلنت نتائج الانتخابات الأمركية أخيرا، فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن ليكون الرئيس القادم، والـ46 في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، عقب مواجهة انتخابية حامية، جمعته مع المرشح الجمهوري الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترمب، ليكون بايدن الرئيس المنتخب الـ22، عن الحزب الديمقراطي، في أعقاب فرز مثير للأصوات، إذ تخللت الانتخابات حالة من التوتر الشديد، خصوصا مع تقارب الأصوات بين المرشحين.
وحصد الرئيس المنتخب بايدن أكثر من 73 مليون صوت، وهو أكبر عدد على الإطلاق لمرشح رئاسي أمريكي، بينما حصل الرئيس ترمب على ما يقارب الـ70 مليون صوت، وهو كذلك ثاني أعلى حصيلة في التاريخ الأمريكي، ما يؤكد أن هذه الانتخابات هي الأكبر والأهم في تاريخ أمريكا من حيث عدد المصوتين، إضافة إلى حجم الإنفاق، حيث بلغت القيمة المالية لحملات المرشحين 14 مليار دولار أمريكي.
أكد الرئيس المنتخب بايدن لمناصريه والأمة الأمريكية، أن الشعب الأمريكي قال كلمته، وقال خلال خطاب النصر، الذي قرأه مباشرة من مسقط رأسه في ويلمنجتون ديلاوير “نحن مطالبون بالعمل لاحتواء فيروس كوفيد، وبناء العدالة والقضاء على العنصرية”، مبديا تفهمه خيبة المصوتين لترمب، واعدا الأمريكيين بسرعة العمل، خصوصا فيما يتعلق بملف جائحة كورونا، مضيفا “لقد سعيت إلى هذا المنصب لاستعادة روح أمريكا، وإعادة بناء الطبقة الوسطى التي هي العمود الفقري لهذه الأمة، ولجعل أمريكا تحظى بالاحترام في جميع أنحاء العالم مرة أخرى”.
بدورها أهدت كاميليا هارس نائبة الرئيس الأمريكي فوزها لجميع النساء الأمريكيات من مختلف الأعراق، قائلة “أيا كان من صوتّم له فسنكون نزهاء وموالين لكم جميعا”، مضيفة “لقد حميتم نزاهة ديمقراطيتنا بفضل مشاركتكم القياسية في الانتخابات، لقد اخترتم الأمل والوحدة والكرامة والعلم والحقيقة”، لتكون أول سيدة تشغل منصب نائب الرئيس في أمريكا، كما أنها من عائلة مهاجرين من أصول هندية وإفريقية.
تخللت الانتخابات حالة من الهرج والمرج، إذ سبق أن أعلن ترمب نفسه فائزا، قبل اكتمال فرز الأصوات، متهما حملة الرئيس المنتخب بالتزوير، دون أن يقدم دليلا أمام المحاكم، إضافة إلى اتهامه القائمين على عمليات الفرز بارتكاب مخالفات في عملية الفرز، لينتج ردا على ذلك رفض المحاكم اعتراضه، فيما نفت إيلين وينتروب مسؤولة لجنة الانتخابات الفيدرالية الأمريكية، وجود أي أدلة تشير إلى عمليات تزوير في الانتخابات الرئاسية، التي تنافس فيها ترمب وبايدن، معلقة على ذلك “كانت هنالك شكاوى قليلة فيما يتعلق بكيفية إجراء هذه الانتخابات، ولا توجد أدلة على أي نوع من تزوير الأصوات، لا يوجد دليل على الإدلاء بأصوات غير قانونية”.
سارع الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته ترمب إلى التعليق على فوز منافسه الرئيس المنتخب بايدن بأنه “يسارع في إظهار نفسه بشكل زائف على أنه الرابح في الانتخابات”، مضيفا أن “حملته سترفع دعوى في المحكمة، للاعتراض على نتائج الانتخابات التي أظهرت فوز بايدن في ولاية بنسلفانيا، التي قدمت له مفاتيح الدخول إلى البيت الأبيض”.
يترقب كثير من الأمريكيين مراسم النقل السلمي للسلطة، وإن كان مبكرا الحديث عن ذلك، خصوصا بعد المعلومات المتداولة عبر وسائل إعلام أمريكية بأن الرئيس المنتهية ولايته ترمب لا يعتزم دعوة الرئيس المنتخب بايدن إلى البيت الأبيض، كما سبق أن الرئيس ترمب وعد بنقل سلمي للسلطة، لكن بشرط أن تكون الانتخابات نزيهة، وهذا ما شكك فيه الرئيس ترمب، من خلال اتهام حملة الرئيس المنتخب بتنفيذ تجاوزات أثناء التصويت، إضافة إلى اتهامهم بالتزوير، ما يعني أن كل ما سبق غير نزيه، ويترتب عليه عدم النقل السلمي للسلطة، وهذا يعتمد على المرحلة الانتقالية، التي سيتعامل بها فريقا الرئيسين مع بعضهما بعضا.
يجري خلال انتقال السلطة تعامل الفريق الجديد مع الفريق المنتهية ولايته لفترة تدوم شهرين ونصف، ويطلق على هذه المرحلة فترة “الفوضى المحببة”، ويتسلم الفريق الجديد المهام تدريجيا من الفريق المنتهية ولايته، من خلال ملء جميع المناصب داخل البيت الأبيض، إضافة إلى العمل على تعيين أربعة آلاف منصب رئاسي لمناصب أساسية منها 1200 تحتاج إلى موافقة مجلس الشيوخ، إضافة إلى الاستعداد لإدارة أكثر من مائة وكالة فيدرالية، كما يحضر الفريق الجديد تحضير أول مائة يوم من ولاية الرئيس.
ويسعى الرئيس المنتخب إلى الحصول على مزيد من القبول والشعبية، من خلال عزمه مناكفة سلفه الرئيس ترمب، إذ قرر العودة إلى اتفاقية باريس للمناخ، التي انسحب منها الرئيس ترمب قبل نحو شهرين من تجديد الدخول في المعاهدة، إضافة إلى وعوده بالعودة للانضمام إلى منظمة الصحة العالمية، بعد الانسحاب منها في ذروة جائحة كورونا، فيما يعد الرئيس ترمب الرئيس الأكثر انسحابا بين الرؤساء الأمريكيين من الاتفاقيات، إذ انسحب من عشر اتفاقيات.
سيعمل الرئيس المنتخب مبكرا، خصوصا فيما يتعلق بملف جائحة كورونا، إذ سيعين فريقا مكونا من 12 عضوا لمواجهة جائحة كورنا، إذ سيتشارك ثلاثة أشخاص في قيادة هذا الفريق الطبي هم فيفيك مورثي الجراح العام السابق، ودافيد كيسلر المفوض السابق لإدارة الغذاء والدواء، والدكتور مارسيلا نونيز سميث من جامعة ييل، في الوقت الذي تلامس فيه البلاد حدود عشرة ملايين إصابة، ونحو ربع مليون حالة وفاة.
طويت صفحة الرئيس ترمب، ليغادر البيت الأبيض في نهاية يناير المقبل، عقب حكمه البلاد لفترة رئاسية واحدة، تعامل فيها الرئيس مع ملفات عدة، أبرزها ملف جائحة كورونا، الذي عصف بالعالم، مسببا ضائقة اقتصادية كبيرة طالت أغلبية دول العالم، لكن لا يخفى على أحد أن الرئيس ترمب، كان له فضل كبير في تقليص معدلات البطالة بين الأمريكيين، إضافة إلى تحسين الواقع الاقتصادي للبلاد، وعلى النقيض تماما كان المأخذ عليه أنه لم يكن رئيسا لجميع الأمريكيين، نظرا إلى تبنيه سياسات الإقصاء تجاه المهاجرين والأقليات العرقية والدينية، وهذا ما أكسب الرئيس المنتخب بايدن ثمرة الفوز بالانتخابات، إذ تمكن من الوصول إلى قلوب ومشاعر هذه الفئات، وكسب أصواتها.