▪︎ مجلس نيوز
خلال جائحة كوفيد – 19، اعتمدت الاقتصادات المتقدمة على بنوكها المركزية في الحصول على سيولة ضخمة لدعم الاقتصاد والحيلولة دون وقوع أزمة اقتصادية عالمية أشد وطأة. وطالبت البلدان الإفريقية بدفعات تنشيطية بقيمة 100 مليار دولار للاستجابة للجائحة، لكنها افتقرت إلى الأدوات التمويلية اللازمة لضخ رأس المال المطلوب. فهل وجود بنوك مركزية إقليمية قوية أو حتى بنك مركزي قاري كان ليساعد على تحقيق هذا الهدف؟ تعكس التجربة الإقليمية للجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» نبذة عما يتعين القيام به لتحقيق التكامل النقدي المرجو. لكنها تلقي الضوء أيضا على قصور هذا المنهج، والصعوبات التي تواجهها القارة، وعدد من القضايا الأساسية التي يتعين التصدي لها لتعزيز صلابة المنطقة ودعم قنوات بديلة للتكامل الإقليمي.
استهدف قادة بلدان «إيكواس» الـ 15 إنشاء اتحاد عملة نقدي مع نهاية عام 2020، لكنهم لم يلتزموا بهذا الإطار الزمني، نظرا إلى أن الجماعة لم تكن مستعدة بعد. فقد كانت البلدان أبعد ما تكون عن التقارب الاقتصادي الكلي اللازم لضمان كفاءة عمل هذا الاتحاد – ولا سيما تقارب مستويات التضخم وانخفاض نسب الدين العام إلى إجمالي الناتج المحلي بشكل كاف. وأدى ظهور جائحة كوفيد – 19، وما نتج عنها من تداعيات اقتصادية وصحية حادة، إلى تأجيل إنشاء الاتحاد المقترح بين البلدان الأعضاء في جماعة «إيكواس»، التي مضى على تشكيلها 46 عاما. ولا تزال المنطقة تطمح إلى إنشاء اتحاد نقدي لما له من منافع محتملة عديدة. فوجود اتحاد عملة يضم البلدان الأعضاء في «إيكواس» من شأنه تحسين التدفقات التجارية والاستثمارية في المنطقة، وتعزيز انضباط السياسات الاقتصادية الكلية والهيكلية في البلدان الأعضاء، ودعم الاستقرار في مواجهة الصدمات الخارجية. وربما كان وجود اتحاد عملة وبنك مركزي قوي ليساعد المنطقة على التغلب على الآثار الاقتصادية المدمرة لجائحة كوفيد – 19 بشكل أفضل. ومن شأنه أيضا تثبيت توقعات التضخم في المنطقة وتسريع وتيرة الإصلاحات المجدية في أسواق العمل والمنتجات. علاوة على ذلك، يفرض اتحاد العملة قيودا خارجية على سياسات المالية العامة لضمان انضباطها.
والرغبة في إنشاء اتحاد نقدي تدل بدورها على رغبة عميقة في مزيد من التكامل الاقتصادي بين بلدان المنطقة، بل القارة كلها بالطبع – كما يتضح من إطلاق منطقة التجارة الحرة لقارة إفريقيا. وبغض النظر عن توقيت مشروع الاتحاد النقدي ونتائجه، يوجد عديد من مجالات التكامل الأخرى التي يمكن لهذه البلدان العمل على تعزيزها، وتم إحراز تقدم بالفعل في عدد قليل منها. وكلما ازداد تقارب الاقتصادات في مجالات كالنمو والتضخم، أصبح من الملائم بشكل أكبر تطبيق سياسة نقدية مشتركة.
وعلى مستوى الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، يوجد عديد من الاختلافات التي تفرض معوقات كبيرة أمام اتحاد الـ 15 بلدا على عملة واحدة – اختلافات من حيث مستوى التنمية وحجم الاقتصادات وعدد السكان والهيكل الاقتصادي، وغير ذلك.
ويمكن تصنيف ستة بلدان من الـ 15 بلدا ضمن فئة الدخل المتوسط “حيث يبلغ نصيب الفرد السنوي من الدخل ألف دولار على الأقل على أساس أسعار الصرف”، وتنتمي البلدان الأخرى إلى فئة الدخل المنخفض.
ويوجد تفاوت ضخم بين الاقتصادات من حيث حجمها. فنيجيريا، الاقتصاد الأكبر على مستوى القارة، تمثل نحو 67 في المائة من إجمالي الناتج المحلي لبلدان «إيكواس»، بينما تمثل البلدان الأعضاء الخمسة الأصغر حجما أقل من 2 في المائة.
والاختلافات بين عدد السكان أقل حدة قليلا، حيث تشكل ثلاثة بلدان – نيجيريا وغانا وكوت ديفوار – نحو 67 في المائة من مجموع عدد سكان «إيكواس»، البالغ 350 مليون نسمة، بينما تشكل ستة بلدان، يبلغ عدد سكان كل منها أقل من عشرة ملايين نسمة، 7 في المائة من مجموع سكان «إيكواس». وتختلف اقتصادات المنطقة من حيث هيكلها أيضا. فهناك بلدان مصدرة للنفط وأخرى مستوردة للنفط. ويعتمد عديد من البلدان اعتمادا كبيرا على قطاعي الزراعة والصناعات الاستخراجية، اللذين يشكلان الجزء الأكبر من إجمالي الناتج المحلي والصادرات، بينما تمثل الصناعات التحويلية أحد مكونات الهيكل الاقتصادي في بعض البلدان.
ونظرا إلى هذه الاختلافات، لا يوجد اتساق بين معدلات نمو إجمالي الناتج المحلي والتضخم عبر البلدان. يعزى جزء كبير من التغير في نمو إجمالي الناتج المحلي ومعدل التضخم في بلدان «إيكواس» إلى التغيرات في الأسعار النسبية للصادرات والواردات. لكن هذه التغيرات، التي تعرف باسم صدمات معدلات التبادل التجاري، ليست متسقة عبر بلدان المنطقة. فعلى سبيل المثال، يوجد اختلاف كبير في تأثير تغير أسعار البترول في نيجيريا المصدرة للنفط عنه في البلدان المستوردة للنفط.
وتفرض هذه الفروق تحديات فنية وتنظيمية مهمة أمام إصدار عملة موحدة على مستوى 15 بلدا. فنظرا إلى اختلاف هيكل الإنتاج والاقتصاد عبر البلدان الأعضاء، سيقع على سياسات الضرائب والإنفاق عبء كبير للمحافظة على الاستقرار في غياب إحدى آليات التصحيح – عملة وسياسة نقدية مستقلتان. ومن شأن الصدمات، مثل جائحة كوفيد – 19، التي تفرض ضغوطا متفاوتة على اقتصادات المنطقة، أن تلفت الانتباه إلى الصعوبات الناجمة عن التخلي عن إحدى أدوات السياسات المهمة. فقد شهدت نيجيريا، على سبيل المثال، قدرا أكبر من المعاناة مقارنة بغيرها، نتيجة انهيار أسعار النفط في المراحل الأولى من الجائحة… يتبع.