▪︎ مجلس نيوز
لا يوجد مقابل متفق عليه لكلمة “ميم” meme ذات الأصل الإغريقي، التي يقصد بها الشيء المقلد سريع الانتشار، والذي قد يكون مجرد فكرة أو رسمة أو مصطلح أو حتى لحن موسيقي أو أي شيء آخر يلاقي شعبية ويستخدمه الناس في كلامهم وكتاباتهم، فيقال هذا ميم سيئ أو جميل، وتلك مجرد ميمات متداولة.
مصطلح الميم وجد طريقه إلى عالم الأسهم فظهرت هناك أسهم ميم، وهي الأسهم، التي تتكرر على ألسن الناس وتعج بها المدونات ووسائل التواصل الاجتماعي، فأصبحت ظاهرة بارزة في أسواق الأسهم الأمريكية بشكل خاص.
في هذا التقرير نتحدث عن أهمية أسهم الميم وسبب نشوئها وأماكن اكتشافها، ونلقي نظرة سريعة على أبرز أسهم الميم، التي لاقت رواجا كبيرا في الفترات الماضية، إلى جانب التطرق لبعض الوسائل الأخرى، التي تغني عن اختيار أسهم ميم محددة.
لماذا نهتم بأسهم الميم؟
الانجذاب نحو أسهم الميم يأتي غالبا من المضاربين، وأحيانا من المستثمرين، الذين يتحينون الفرص للدخول في بعض الأسهم، التي تحتاج إلى فترة زمنية طويلة نسبيا كي تنضج، فيكتشفونها من خلال الحراك “الميمي”.
وهناك من يبحث عن أسهم الميم بهدف المراهنة على عكس التيار، أي أن هؤلاء المضاربين يعتقدون أن هناك انسياقا غير طبيعي وغير مبرر خلف بعض الأسهم لمجرد شهرتها كأسهم ميم، وليس لجودتها كأسهم، وبالتالي يراهنون على نزولها فيقومون بالدخول في عمليات مالية معاكسة، مثل البيع على المكشوف وشراء عقود خيار بيع.
ظاهرة التنبوء الذي يحقق نفسه
هناك آخرون ينجذبون لأسهم الميم لاستغلال الظاهرة النفسية المعروفة المسماة “التنبوء الذي يحقق نفسه”، والتي تحدث في شتى مناحي الحياة بما في ذلك تحركات الأسهم! هذه الظاهرة مشاهدة لدى كثير من الناس وتحدث عندما يستغرب الإنسان من وقوع حدث كان هو يعتقد بأنه سيحدث: أي أن الإنسان تنبأ بالحدث وبالفعل وقع الحدث فتحقق التنبوء. أما سبب حدوث ما يتنبأ الشخص به يعود لأن الإنسان غالبا يتصرف بشكل يتماشى مع الحدث المنتظر، ويهيئ الإنسان نفسه لحدوث ذاك الشيء، فيساعد- بغير وعي منه- في حدوث الأمر. على سبيل المثال، ولكي نربط ذلك مباشرة بالأسهم، عندما يعتقد عدد من الناس أن سهما سيرتفع سعره خلال الأيام المقبلة، فإن إيمانهم بهذا الشيء غالبا يدفعهم لشراء السهم، وبالتالي فإن الذي يحدث أن يرتفع سعر السهم لا محالة، نتيجة تزايد عدد عمليات الشراء! فهنا تكون النتيجة التي تنبأ بها هؤلاء الناس قد تحققت بالفعل
أين تنشأ أسهم الميم؟ ومن ينشئها؟
مفهوم الميم يشبه فكرة تكاثر الجينات في علوم الأحياء، أو انتشار الفيروسات بين الناس، ولكي يكتسب الميم الشعبية الكافية هناك خصال معينة يجب توافرها فيمن يحاول إنشاء ميم ما، التي سردها “هارون لينش” في كتابه “العدوى الفكرية: كيف تنتشر المعتقدات في المجتمع”. لذا فالذي يحدث هو أن هناك بعض الأسماء المؤثرة في وسائل التواصل الاجتماعي، التي تكون أحيانا لمجرد مضاربين أو مستثمرين أفرادا يتصرفون من تلقاء أنفسهم، وأحيانا قد يكون هناك من يحركهم، بعلم منهم أو دونه. هؤلاء الأشخاص يطرحون ما لديهم من أفكار حول بعض الشركات وبحكم شهرتهم وتأثيرهم في الآخرين تبدأ تلك الأسهم في الاشتهار بين الناس.
معظم الحراك المتعلق بأسهم الميم نجده في مدونات Reddit وDiscord، حيث يوجد هناك عدة مجموعات استثمارية لديها متابعون كثر، وهي التي اشتهرت في بداية 2021 بتسليط الضوء على أسهم GameStop وAMC، وتتميز بوجود المضاربين من صغار السن، الذين يتصرفون أحيانا بأساليب مضاربة واستثمار مختلفة عن الطرق التقليدية. هؤلاء الشباب عادة يتداولون بمبالغ قليلة نسبيا، لذا فهم لا يمنحون المخاطرة والخسائر المحتملة كثيرا من الاهتمام. وبسبب كثرة أعدادهم فتكون النتائج في حركات الأسهم كبيرة ومؤثرة.
أبرز أسهم الميم في الآونة الأخيرة
ربما أسهم شركة جيم ستوب GameStop هي الأشهر من بين جميع أسهم الميم، وهي شركة بيع بالتجزئة لألعاب الفيديو، اشتهر اسمها بين المستخدمين مطلع هذا العام حين تبين أن أحد صناديق التحوط بدأ في بيع أسهم “جيم ستوب” على المكشوف، الأمر الذي استفز صغار المتداولين. والبيع على المكشوف هو بيع ورقة مالية دون امتلاكها وشرائها في وقت لاحق بسعر أقل، وذلك على فرض أن سعر السهم سينخفض بقوة، لذا قرر المستخدمون في المنتدى عرقلة مساعي صناديق التحوط هذه، حيث من المعروف أن بعض عمليات البيع على المكشوف ينتج عنها ردة فعل معاكسة فيرتفع السهم، ومن ثم يضطر أولئك البائعون على المكشوف سرعة الشراء لتغطية مراكزهم المكشوفة.
ارتفع سعر سهم GME في غضون أيام قليلة من نحو 20 دولارا إلى 483 دولارا أثناء التداول 28 يناير، ثم بدأ في التقلب صعودا وهبوطا، وهو الآن يتداول بالقرب من 170 دولارا.
غالبا أسهم الميم تشد انتباه أحد كبار المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا ما حصل مع “جيم ستوب”، حيث قام “إيلون ماسك” الرئيس التنفيذي لشركة السيارات الكهربائية “تسلا” بالتغريد عبر حسابه في موقع تويتر بكلمة Gamestonk” وكانت التغريدة مصحوبة برابط فرعي للنقاشات حول “جيم ستوب” في منصة “ريديت” فانتقلت عدوى “جيم ستوب” إلى مستخدمي “تويتر”، وهذا ما أدى بالسهم ليرتفع إلى 483 دولارا خلال اليوم.
مواقع أخرى لأسهم الميم
إلى جانب موقع ريديت، وبالذات المنتدى المتفرع منه “ستريت بيتس”، الذي أحدث صخبا عالميا، وأغلق الطريق أمام كبار صناديق التحوط في سبيل تحقيق مرادهم من “جيم ستوب”، فهناك كذلك منصة ستوك تويتس Stocktwits، وهي منصة وسائط اجتماعية شبيهة بتطبيقات البودكاست المخصصة للدردشات الإذاعية. وتستخدم هذه المنصة في تبادل الأفكار بين المستثمرين والتجار، وقد كان لها تأثير كبير في أسهم شركة النفط والغاز “تورشليت إنرجي”، التي حظيت في وقت من الأوقات بنقاشات كثيرة على الموقع، وكانت معظم الآراء حول السهم إيجابية، ونتيجة لذلك ارتفع سعر السهم 74 في المائة في 21 يونيو الماضي، وبتداولات عالية.
هناك أيضا منتديات أخرى كـ سبريدتس subreddits وانفستنج investing وستوكس stocks.
هل من صناديق متداولة لأسهم الميم؟
بكل تأكيد هناك صناديق متداولة تقريبا لكل استراتيجية ولكل وسيلة مالية، بما في ذلك أسهم الميم. وأحد هذه الصناديق هو صندوق اسمه “فومو” وهو اختصار لعبارة “لمن يخشى فوات الفرص”، وهو عبارة عن صندوق متداول يشترى ويباع كالأسهم تماما، طريقة عمله أنه يرصد الأسهم الساخنة بما في ذلك أسهم الميم، ويقوم بالاستثمار فيها. ويقوم الصندوق بتعديل محتوياته- أو إعادة توازنها- بشكل أسبوعي بحيث يستطيع أن يدرج أي أسهم جديدة تلقى رواجا بين المتداولين، وهذا يشمل أسهم الميم بالطبع. شبيه بهذا الصندوق هناك صندوق آخر، اسمه BUZZ، والكلمة في حد ذاتها تعين الشيء، الذي يحدث ضجة وأصواتا نتيجة نشاطه الزائد، وهذا الصندوق يعدل مكوناته مرة واحدة كل شهر.
إلى جانب هذين الصندوقين المتخصصين في أسهم الميم، هناك إمكانية التعامل بصناديق متداولة أكثر شمولية، وتقليدية أكثر وفي الوقت نفسه تشمل أسهم الميم، وهي الصناديق المتخصصة في الأسهم الصغيرة، كون كثير من أسهم الميم تعد شركات صغيرة.
صندوق XSMO المتداول يركز على الأسهم الصغيرة المتحركة
الأسهم المتحركة هي التي تعرف بأسهم الزخم momentum، وهي الأسهم، التي تتمتع بارتفاعات متتالية في أسعارها، وهذا ما يقوم به هذا الصندوق المقدم من Invesco، وهي شركة كبيرة متخصصة في صناديق الاستثمار. صندوق XSMO يركز فقط على عدد قليل من الشركات الصغيرة، أي أنه لا يستهدف جميع الشركات الصغيرة ولا يهتم بالشركات الكبيرة المكونة لمؤشر إس آند بي 500، على سبيل المثال، بل فقط ينظر إلى الشركات الصغيرة التي غالبا لا تتجاوز قيمتها السوقية 2 مليار دولار، والتي تتميز بتحرك أسعار أسهمها. الهدف من التركيز على الشركات الصغيرة هي أنها مفترض أن تحقق ارتفاعات أكبر من الشركات الناضجة المعروفة.
صندوق XSMO يعد صغيرا جدا، مجموع أصوله نحو 161 مليون دولار فقط، وتداوله اليومي في حدود 14 ألف سهم، لذا فهو لا يصلح للمضاربة، بل يصلح لمن يستثمر على المدى الطويل نسبيا.
كيف يتم اختيار الشركات الصغيرة في صندوق XSMO؟
هناك مؤشر معروف تديره مجموعة داو جونز يعرف بمؤشر إس آند بي 600 للأسهم الصغيرة، مهمته رصد أداء أسهم نحو 600 شركة صغيرة من أهم الشركات الأمريكية، إلا أن صندوق XSMO يختار فقط 120 شركة من هذه الشركات للاستثمار بها، وذلك باختيار أعلى 120 شركة من حيث معايير معينة لحركة أسهمها خلال الـ12 شهرا الماضية، ويتم تعديل اختيار هذه الأسهم مرة كل عام. الهدف مرة أخرى هو الاستثمار فقط في الشركات التي، بحسب حركة أسعار أسهمها، متوقع لها أن تعطي نتائج أفضل من أداء جميع الـ 600 شركة المشكلة للمؤشر.
لنتمكن من مقارنة أداء الـ 120 شركة، التي يتم انتقاؤها من قبل صندوق XSMO بأداء جميع الـ 600 شركة للمؤشر، نحتاج النظر إلى صندوق آخر، أكبر بكثير من XSMO ويتمتع بشعبية أكبر، وهو صندوق IJR، الذي يستثمر بجميع الـ 600 شركة.
صندوق IJR يستثمر في جميع الشركات الصغيرة
هذا الصندوق يدار من قبل أكبر شركة لإدارة الصناديق المتداولة في العالم وهي مجموعة BlackRock، التي تدير أصولا بنحو 8.7 تريليون دولار، أي أكبر من القيمة السوقية لسوق الأسهم السعودية– مع أرامكو- بنحو ثلاث مرات ونصف، ولديها نحو 389 صندوقا متداولا، تصل قيمة صافي أصول تلك الصناديق إلى نحو 2.2 تريليون دولار.
تبلغ قيمة أصول صندوق IJR نحو 67 مليار دولار، وهذا يعد من الصناديق الكبيرة جدا، وتبلغ رسومه السنوية فقط 0.06 في المائة: أي من استثمار عشرة آلاف دولار في الصندوق يتم استقطاع فقط ستة دولارات سنويا. جاذبية هذا الصندوق تأتي في كونه يشمل جميع الشركات الصغيرة الرئيسة، ولذا فهو يختلف عن الـ 500 شركة المكونة لمؤشر إس آند بي 500 المعروف.
الرسم البياني المرفق يوضح حركة IGR خلال العامين الماضيين، ولكن هنا نحتاج إلى مقارنة أداء IGR بأداء السوق ككل، ممثلة في أسهم “إس آند بي 500″، ومن ثم نقارن أداءه بأداء صندوق XSMO الذي يستثمر فقط بجزء من الشركات الصغيرة.
حققت السوق ككل (ممثلة في مؤشر إس آند بي 500) خلال خمسة أعوام نموا بمقدار 100 في المائة، بينما صندوق الشركات الصغيرة IJR حقق 76 في المائة، ولكن لو نظرنا إلى الأداء خلال عام واحد فسنجد أن IJR حقق ارتفاعا أفضل بمقدار 53 في المائة، مقابل 36 في المائة للسوق ككل.
السؤال هو: هل استراتيجية XSMO في انتقاء الشركات الصغيرة، التي لدى أسهمها تحرك كبير، تعطي أداء أفضل من أداء صندوق IJR الذي يستثمر في جميع الشركات الصغيرة؟
من الرسم البياني لمقارنة أداء الصندوقين خلال الأعوام الخمسة الماضية، نرى كيف أن صندوق XSMO بالفعل كان يعطي نتائج أفضل من IJR، حيث حقق في خمسة أعوام ارتفاعا بمقدار 102 في المائة مقابل 78 في المائة لصندوق IJR.
إذن هناك طريقة أخرى للتعامل بأسهم الميم، وذلك بشراء أسهم أحد الصناديق المتداولة، التي تستثمر في الشركات الصغيرة، مثل صندوق IGR، أو صندوق XSMO الذي كذلك يستثمر في الشركات الصغيرة، ولكن فقط تلك التي تتمتع أسهمها بحركة نشطة وارتفاع جيد خلال آخر 12 شهرا.
استهداف الشركات التي لديها نسب بيع على المكشوف عالية
أحد أهم أسباب امتعاض جيوش الشباب، الذين يقفون خلف أسهم الميم يعود إلى حالات البيع على المكشوف، التي يعتقد بأنه تم الإفراط بها. هؤلاء الشباب المعادون لأباطرة “وول ستريت” يرون نوعا من الغرور والاستهتار من قبل بعض مديري صناديق التحوط، وبعض كبار المستثمرين الأفراد، ممن يقوم بالمراهنة على هبوط أسعار بعض الأسهم من خلال البيع على المكشوف، ردات الفعل المعاكسة من قبل شباب “ريديت” وغيرهم من المتداولين هو أن بعض الأسهم، التي لديها نسب عالية من البيع على المكشوف ستكون معرضة لارتفاعات حادة عندما يضطر أولئك البائعون بمعاودة الشراء لتقليص خسائرهم، فيما لو بدأت ترتفع أسعار أسهمهم.
كانت نسبة البيع على المكشوف في بعض الأسهم تتجاوز 100 في المائة، أي أن جميع الأسهم تم بيعها على المكشوف، بل بعضها تم بيعها على المكشوف أكثر من مرة، وهذه نسب عالية جدا، ومخالفة لأنظمة الأسواق، التي تمنع ما يعرف بالبيع العاري على المكشوف.
على سبيل المثال، نجد أن نسبة الأسهم المبيعة على المكشوف لشركة “جيم ستوب”، التي تجاوزت 100 في المائة سابقا هي الآن نحو 19 في المائة، وAMC نحو 15 في المائة، وذلك بسبب هروب الباعة على المكشوف وتغطيتهم مراكزهم المكشوفة، لذا فإن إحدى طرق التنبؤ بسهم الميم القادم يتم من خلال النظر إلى نسبة الأسهم المبيعة على المكشوف، ويمكن الحصول على ذلك من عدة مصادر، أحدها موقع “ياهو” المالي.
خاتمة
تطرقنا إلى ظاهرة أسهم الميم، وهي أسهم لشركات وجدت رواجا كبيرا لدى مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، وبالذات صغار المتعاملين، والذين بسبب كثرة أعدادهم، فإن تحركاتهم يكون لها تأثير كبير في أسعار الأسهم. وذكرنا أن هناك صندوقين تقريبا متخصصين في أسهم الميم، وهناك صناديق متداولة تقليدية تستهدف الشركات الصغيرة، التي غالبا تخرج منها أسهم الميم. ومن هذه الصناديق هناك صندوق XSMO الذي يركز على شريحة من الشركات الصغيرة، التي تتمتع أسهمها بحركة نشطة وارتفاع في أسعارها، فيقوم الصندوق بالاستثمار فيها.